عند عبارة نيتشه (الآلام المديدة، والكبيرة تربي الطاغية في الإنسان) وقفتُ طويلاً، أو كثيراً جداً، ثم حاولت تفكيك هذه العبارة بطريقة أو بأخرى، كي أجملها، أحسنها، ألطفها، أمكيج ما بدا لي بشعاً منها، والأفضل أن أجري عمليةً تجميليةً؛ حيث إن للمكياج مدة زمنية قصيرة جدا ثم ما تلبث أن تظهر الملامح الأساس للرائي وتخيفه أو ترعبه!!
...العبارة وصلتني رسالة، ولم أستطع تجاوزها (أعني العبارة).. لماذا؟ لنحاول تفكيك ما مقولة نيتشه:1- الآلام المديدة.2- الآلام الكبيرة.3- تربي.4- الطاغية. 5- في الإنسان.أعتبر من يربي الطاغية الإنسان هي الآلام (المديدة والكبيرة)..!! فهل نيتشه برأيه هذا يستثني الآلام (القصيرة والصغيرة) من تربية الطغيان في الإنسان؟ كلنا نتألم فهل يتولد عن الألم طغيان؟ أو الطغيان سيكون في حق من؟ هل في حق من آلمنا طوال هذه المدة؟ أو من كان حجم ألمه لنا كبيراً؟ أو أن الطغيان سيأتي بشكلٍ عشوائي متخبط ضد كل من نقابل أو يؤذينا بطريقة أو بأخرى، طال ألمه لنا أو قصر، صغر ألمه لنا أو كبر!!
حقيقة لا نستطيع معرفة نفسية نيتشه وقت إعلانه عبارته، ولا نستطيع (أيضاً) موافقته أو مخالفته ونحن نؤمن بأن لكل مقام مقالا، تنتفي أهمية ذلك المقال بتغير المقام أو زمنه. وبالتالي سنتعامل مع عبارة نيتشه كعبارة عابرة لا تنتمي لشخص ما حتى لا نتعرّض لذلك الشخص. نتفق أن الألم كثيراً ما يصنع الإنسان على اعتبار أن الألم تجربة حياة بجانب تجربة الفرح أو السعادة والرضا. الألم منذ الصغر حتى الشيخوخة. فالطفل يتجنب مس الإبريق الحار لأنه سبق له مسه ولسعته حرارته بشدة. ألمه هنا صغير أما إذا انسكب الزيت عليه وشوهه لأن يده امتدت للمقلاة فالألم هنا كبير..!! ويختلف الألم الجسدي عن الألم النفسي. الألم الجسدي يشوه الجسد، قد تجدي فيه العمليات التجميلية وقد لا تجدي.. بينما الألم النفسي لا يجدي فيه سوى الطب النفسي أو التدريب النفسي وما يطلق عليه البرمجة العصبية.. وأعتقد أن عبارة (نيشته) أقرب إلى الألم النفسي من الألم الجسدي. بدليل أن أغلب الجرائم التي ترتكب في حق النفس البشرية المحرّض عليها (المرض النفسي). وعند يأتي الطبيب النفسي كي يعالج المرض يعود معه إلى سنواته الأولى.. إلى طفولته.. إلى أسلوب تعامل الأسرة معه أو تعامل الخادمة أو تعامل المجتمع وما إلى ذلك كي يصل إلى البذرة التي تغذّت بداخله على مدى سنوات عمره وانتهت به إلى مريض نفسي أو مجرم وإنسان طاغ. حيث إن طغيان الإنسان يساعد عليه المنصب الذي يحتله، من ذلك الطغاة من السياسيين والجلادين وغيرهم إلى أن أصبح الطغيان لديهم متعة، وإراقة الدماء طقس يبهجهم.
العبارة تحمل بعداً سياسياً، على ما أظن. وقد يثبت ذلك أو يؤكده سير الطغاة من الحكام والرؤساء أو أعوانهم والساسة. نحن قد نرجع العبارة إلى حيزنا المتواضع فلا نقبل بها أو نتقبلها عقلاً.. لأننا فهمنا أنه يقصد أن الألم المديد والكبير يربي الطاغية في الإنسان. وحينما فككنا العبارة فصلنا كلمة تربي.. حيث إن مفهومنا للتربية مفهوم إيجابي لكن نيتشه قدم لنا المفهوم السلبي لها. الآلام ولم يقل الألم. المديدة ولم يقل القصيرة أو القصيرة المدى. الكبيرة ولم يقل الصغيرة.
تربي ولم يقل تؤسس أو تغرس أو تبني أو عبارة أخرى. الطاغية ولم يقل الحقد أو الكره أو الشر أو عبارة أخرى. لماذا؟ لأن الطغيان قد يدمر دولا فمن مع تلك الدول سيناله الدمار. الطاغية تحجر قلبه، تلوث، طغى الشر والحقد والكره على كل خلية أو حاسة فيه. عبارة نيتشه جانبها الخطأ. وهي خطرة جداً على الفرد خطورتها على الأسرة أو على المجتمع أو على الدول والدويلات.
(الألم)، عند إعادة ترتيب الكلمة نستطيع تحسينها ب كلمة (الأمل)، فنرفع معنويات من عانى (الألم). فهل يمكن لنا إعادة ترتيب كلمة (الآلام) بحيث نرفع معنويات من عانى منها!!؟ نعم يمكننا.. ولكن كيف؟ وهل تستطيع بها إعادة صياغة عبارة نيتشه بجملة إيجابية؟ أنتظر، أو ننتظر.