لا يجادل اثنان في أن المطاف المحيط بالكعبة قد ضاق بالطائفين، وذلك نتيجة الانشغال بتوسعة المسجد الحرام، - لاسيما - ونحن في أشهر الحج، مما يستدعي ضرورة وضع الحلول الجذرية؛ للحد من الزحام أثناء الطواف، خصوصاً في طوافي الإفاضة والوداع. بل إن ذروة أعداد الطائفين التقديرية، بحسب ما أوضحته الدراسات العلمية، ستمثل كثافة عالية إذا ما قورنت بالمساحة المتاحة، تفوق المعدلات الطبيعية بمرات عديدة.
صحيح، أن الحلول الهندسية ممكنة، إما من خلال الصحن المعلق، وهو المطاف الهيدروليكي، أو الرواق المطور، مع أنه لم يتم تشغيل الصحن المعلق الآخر، أو من خلال الاستفادة من سطح المسجد الحرام، والذي يظهر أنه على وشك الانتهاء منه؛ ليستوعب أعداد الطائفين في أوقات الذروة بشكل مرن؛ لكنني أعتقد: أن تأجيل قدوم بعض الحجاج إلى الأراضي المقدسة؛ لأداء مناسك الحج، أو العمرة هذا العام، والعامين القادمين، بنسبة 20% من الخارج، وبنسبة 50% من الداخل؛ بسبب أعمال التوسعة الجارية حالياً، قد يكون من أهم الحلول الفقهية المقترحة؛ لتخفيف الزحام على صحن الطواف في ظل التوسعة الجديدة. فما يحدث في العصر الحاضر من شدة الزحام في مناسبة الحج، وتضرر الآخرين معها، هي مفسدة متحققة، وجب دفعها بتقليل الزحام قدر الإمكان، وذلك بمنع ما يؤدي إليها، خصوصاً إذا كانت تلك النافلة تخص الفرد ذاته، دون أن تتعدى غيره. ولا يكون ذلك إلا بترشيد الزحام من خلال العمل على تقليله؛ لإفساح المجال لمن لم يحج الفريضة، وفي ذلك مراعاة لمقاصد الشريعة العظيمة في سنّ عبادة الحج.
في المقابل، فإن إدارة الحشود في تأدية الطواف بحسب الظروف الزمانية، واندراج توفر الأمن ضمن مفهوم الاستطاعة في الحج، والأحوال الأمنية، وعلاقتها بالمقاصد الشرعية، وتأصيل الاستطاعة في ضوء مقاصد الشريعة، وأثرها على الأحكام، وما لامسها من تداخل في مقتضيات الحياة المعاصرة، بعد أن استجد موضوع التوسعة، تستوجب من علماء الأمة مزيداً من التكييف الفقهي لتفويج الحجاج عند أداء الطواف، بما يتوافق مع أصول الشرع الكلية، ومقاصده العامة، بسبب ما نلحظه من كثرة الحجيج، وما نتج عن هذه الكثرة من ازدحام شديد، ومشقة عظيمة، بشرط ألا تخل تلك الاجتهادات بأداء شعيرة الحج. فالمشقة ليست مقصودة في هذه الشعيرة، - ولذا - فإن مراعاة المشقة التي تلحق الأذى بالمسلمين من أسباب الترجيح، وهو ما رأيناه من تغير اجتهاد بعض علماء الأمة، بسبب اختلاف الأزمنة، وتغير الأعراف؛ عملاً بفقه التيسير، والتخفيف على الناس من الضيق، والحرج. فالتيسير بضوابطه الشرعية، هو صناعة الفقيه، والمجتهد. انطلاقاً من قاعدة: «المشقة تجلب التيسير».
بقي القول: إن ما تقوم به حكومة خادم الحرمين الشريفين من جهود مضنية على الأصعدة كافة؛ ليتمكن الحاج من أداء مناسكه بيسر، وسهولة، ويعودوا إلى أوطانهم آمنين مطمئنين، يندرج في تحقيق المصالح - التي أشرنا إليها آنفاً -، بغض النظر عن أن يكون ذلك وهجاً إعلامياً - فحسب -، بقدر ما هو دحر للأصوات الشاذة، التي تستهدف الحقائق، وتستغل كل شاردة، وواردة؛ من أجل الإساءة إلى المملكة، من دون أن يستذكروا هذا التاريخ الطويل، عن إسهامات هذه البلاد في تسهيل شعيرة الحج، وما تقدمه للمسلمين؛ من أجل العمل على تيسير أداء المناسك؛ ولتكون هذه العناية، هي المفتاح الذي تدخل - من خلاله - هذه البلاد إلى قلوب المسلمين، وتنال مكانتها اللائقة بها.