استوقفتني كثيراً عبارة الكاتب في صحيفة الحياة، - الأستاذ - محمد المزيني، والتي وردت في مقالته المنشورة - قبل أيام -، بعنوان: « أيسرك هذا يا وزير التربية؟ «، عندما كتب: «فذوو القدرات الخاصة ممن تنحسر قدراتهم على ملكات معينة، هم بمسيس الحاجة إلى من يخفف عنهم عبء هذا العجز، الذي يستشعرونه في عيون الناس، ووجوههم الرحيمة، قبل الإحساس بالمعاناة الماكثة معهم طول العمر، هؤلاء لا يحتاجون - فقط - إلى إعانة نقدية، أو عينية تقدم كحسنة تدفع لهم آخر كل شهر، أو على رأس سنة - بما يشبه المن -، بل إلى برامج متخصصة، ومناهج شاملة ؛ لتخطي الكثير من المشكلات التي يعانون منها، وإنشاء أقسام متخصصة لتعليم، وتدريب الشبان، والفتيات على التخصصات المرتبطة بالإعاقات الحركية، والعقلية، والسمعية، والكلامية «، فأمتعت ناظري لتلك الكلمات ملياً؛ لما حملته من دلالات أليمة، تمثل موقفنا مع فئة ذوي الاحتياجات الخاصة، باعتبار أن لهم الحق في أن يعيشوا حياتهم الطبيعية كما هي، وأن يتمتعوا بإنسانيتهم بأقصى ما تسمح به قدراتهم، - كونها - حقوقاً مكتسباً لهم ؛ ليكونوا رقما مهما في تنمية المجتمع، لا عائقا له.
كتبت مرة يا معالي الوزير، بأن هذه الفئة من المجتمع، تحتاج إلى منظومة تعليمية مناسبة، تلبي احتياجاتهم، وتعمل على حل مشكلاتهم التعليمية، وتنقل لهم التعلم المطلوب بكفاءة، وفاعلية، مع ضرورة التقويم المستمر للمناهج، والخدمات المقدمة في هذا المجال. - إضافة - إلى أن من أهم متطلباتهم - أيضاً -، توفير كافة أشكال المساندة الاجتماعية، والخدمات الصحية، وإنشاء بعض الخدمات المساندة الضرورية، كتقديم الخدمات الوقائية، والعلاجية، والتأهيلية، بما يتفق ونوع الإعاقة، ودرجتها. - ولذا - فإن استقراء الواقع، وتلمس الخطوات المستقبلية، تستدعي بناء خطة تكاملية، تقوم على إستراتيجية تنموية ؛ لتلبية متطلبات ذوي الاحتياجات الخاصة، - وخصوصاً - فيما يتصل بالتدريب، والتشغيل، ومنحهم المزايا الاجتماعية.
إن العمل أصبح واقعا ملحا على ضرورة توفير أساليب التقنية الحديثة في التعليم، مثل: الحاسب الآلي، والأيباد، وغيرهما من الأجهزة الحديثة. واستخدام المثيرات البصرية أثناء عملية التدريس، والجداول عالية التنظيم للأنشطة. والرفع لوزارة التربية، والتعليم بضرورة زيادة أعداد الكوادر المتخصصة، وزيادة معلمي تدريبات النطق، والتخاطب. وإيجاد معامل متخصصة ؛ لتعزيز التواصل اللفظي. وتكثيف التدريبات المتعلقة بهذا المسار. وزيادة أعداد الكوادر المؤهلة في مجال العلاج الطبيعي، وإنشاء مركز متخصص للعلاج الطبيعي، وتكثيف جلسات العلاج الطبيعي بشكل يومي ؛ من أجل تنمية المهارات الحركية، ومنع تفاقم الإصابات، أو العجز الكلي ما أمكن ذلك.
والواقع يشهد - مع الأسف - وجود مدرب أخصائي واحد، مقابل «139» طالب من ذوي متعددي الإعاقة في معهد التربية الفكرية للبنين في شرق الرياض. وزيادة الاهتمام بالجانب التأهيلي، وتعليم هذه الفئة المهارات اللازمة ؛ من أجل دمجهم بالمجتمع الخارجي، والتواصل مع الجهات المتخصصة ؛ لإيجاد وظائف لخريجي المعهد بما يتناسب مع قدراتهم. والاهتمام بالعيادة الطبية، وزيادة الكادر الطبي ؛ لمتابعة الحالات الصحية للطلاب، وتقديم الإسعافات الأولية اللازمة لهم، مع أنه لا يوجد سوى ممرضين إثنين - فقط - لعلاج أكثر من « 320 « طالبا. - إضافة - إلى ضرورة معالجة ضعف أنظمة الرقابة الداخلية في المعهد، الأمر الذي يلزم منه توفير كاميرات مراقبة داخل المعهد، وخارجه.
ثم إن مشروع النقل المدرسي « لمعهد التربية الفكري بشرق الرياض «، أصبح حلقة شبه مفقودة، بعد أن تحول - مع الأسف - إلى معاناة، بسبب استخدام وسيلة النقل بشكل عشوائي، وغير منظم. فظهرت سلبياته الكثيرة، ونقائصه العديدة، ولم تُحقق الأهداف المرجوة منه، وهو ما ذكرته في مقالة سابقة. بل يتذمر أولياء أمور ذوي الاحتياجات الخاصة، من حشر أبنائهم - من عدة أحياء - متباعدة في حافلة واحدة ؛ من أجل التوفير الذي يمارسه مقاول النقل المدرسي، بغض النظر عن مراعاة التقيد بعدد المقاعد ؛ حتى تم استغلال ممرات الحافلة في الجلوس، دون الاكتراث بالمخاطر المترتبة على هكذا ممارسة عشوائية. ولا تسل بعد ذلك، عما تعانيه هذه الفئة الخاصة من قيظ الصيف، وزمهرير الشتاء، أو حتى مدى التزام تلك الحافلات بأسس الأمن، والسلامة. بل إن كثيراً منها لا تتعاطى مع المواصفات، والمقاييس المطلوبة.
كم نحتاج يا معالي الوزير إلى جرعات من العمل الدؤوب تلون أيامنا، وإلى قطرات من العطاء الصادق تروي قلوبنا، الأمر الذي جعلني أعيد كتابة متطلبات هذه الفئة مرة أخرى ؛ لنبرز في إعادة تأهيل ذوي الاحتياجات الخاصة، واندماجهم مع المجتمع بتوفير الرعاية الطبية، والتعليم، والوظائف لهم كحق طبيعي، يقتضيه انتماؤهم لهذا المجتمع؛ ولنتعاون في إطار الحق، والعمل الإيجابي الذي يسوقنا نحو رضوان الله.