اليوم عيد الأضحى المبارك. كل عام وأنتم جميعاً ومن تعزّون بألف خير وصحة ورضا. والحمد لله على نعمة الأمان والاستقرار والرضا. أدعو الله أن يديمها على الجميع. أدعو ، وأنا أعلم أنّ الديباجة التقليدية المتبادلة في تهنئة العيد، تتناقض مع ما تحمله نشرات الأنباء عن أرض الواقع.
المفروض أنه موسم نتذوّق فيه الفرح. ولكن العيد هذا العام لا يحمل لمعظم المسلمين مذاق الفرح بقدر ما يحمل شعوراً مؤلماً بالعجز عن توليد أي بهجة في القلوب..
صحيح؛ مليونان من حجاج مسلمين من الجنسين، ومن كل أوطانهم البعيدة والقريبة، يجتمعون في بيت الله الحرام متساوين في المظهر يؤدون نفس الطقوس ويلتزمون بنفس الإرشادات ويدعون بنفس الأدعية، وفي الغالب يحملون نفس الطموحات. وهم محظوظون أنّ قيادتنا الرشيدة وأجهزتها كلها، استنفرت لتجعله موسم حج ناجح يحمي ضيوف الرحمن من كل ضير قد ينجم عن هذا الاحتشاد الكبير. ولكن هناك ما يقارب ملياري مسلم في العالم تتفاوت بهم تفاصيل الحياة، بين من يعاني الانقسامات والتصدُّع على أرض الوطن، ومن يعاني التحيُّز في منفى اختياري مهاجراً إلى أرض غريبة هروباً من قسوة الوطن، ومن يتقلّب محزوناً في خيمة لاجئ هروباً من الموت في حروب الوطن.
هذه الأوطان المظلومة بتخبُّطات بنيها..
أغلب الأوطان العربية لا تعرف اليوم بهجة العيد ولا مشاعر الرضا.
وأحزن على تخيُّل الأطفال بينهم بلا فرحة عيد..
وحزني يتسع إذ تحاصرنا تفاصيل ما تمر به غالبية أوطان المسلمين من التصدُّع والفرقة والصراعات الدموية بين مواطني البلد الواحد.
أسائل نفسي: ألا يكفي أن يعاني المسلمون من وصمة التخلُّف وتهمة التشدُّد والعدائية والإرهاب في العالم ، لنضيف إليها جنون تمزيق الأوطان في الداخل؟
متى سنفيق لندرك أنّ الإسلام ليس مهارة تدمير؟
عامان من نيران اشتعلت بفعل مجهول، وتفاقمت في استلاب الوعي بعبثية مرعبة، لتتكشف عن تصدُّعات في بنية الانتماء الحميم، سمحت أن تتسرّب عبرها وتتنامى فيها بؤر متسرطنة ، تزدهر فيها الأحقاد الطائفية والأحلام السياسية، أوصلت المسلمين إلى أن يقتل الأخ أخاه ابن الوطن، مضللاً بسراب شعارات خلافة وهمية ستعيد أمجاد الأمس. ولكننا لا نرى حتى الآن إلاّ تدمير المدن وركام المنازل وتراكم القتلى والمشوّهين.
لابد لبقاء المسلمين من بقاء أوطانهم قوية وآمنة تسمح لهم بأن يعيشوا الأمن ومثاليات الدين: التكافل وروابط الشعور بمسؤولية القوي القادر عن الضعيف المفتقد للقدرة . فقدوا في صراعاتهم ومسؤولية كل عن الآخر. وبقي من الإسلام الاعتزاز بأمجاد الماضي. وتنامي المجتمع الإسلامي مساحة وأعداداً.. وما زلنا نركز على التكاثر العددي وننسى أننا بلا أمن وتطوُّر نوعي نفقد المستقبل.
الآن، ونحن ننتشر في كل أصقاع الأرض التي سخّرها الله لنا، أكثر من ملياري مسلم يتكلمون عشرات اللغات، مطالبين بأداء نفس العبادات والالتزام بنفس القيم، يفتقد أغلبنا الشعور بالمعنى الحقيقي للإسلام. أن يعمروا الأرض.. لا أن يدمّروها!
أدعو أن يكون عيدنا القادم عيد احتفاء بالسلام والاستقرار. عيد أتمناه يليق بنا.. وكل عام ونحن أقرب إلى الإسلام الصحيح في عزّ أوطاننا وأمن استقرارها.