هل تصحيح مسار «الهيئة» مهمّة مستحيلة؟؟(3)
انتشر خبر فشل محاولة اغتيال رئيس هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، بعد مقتل شابين إثر مطاردة من سيارة الهيئة - رغم قرار منع المطاردات -, وقسمه المغلظ أن يعاقب المتسبّب. الحمد لله على سلامة الدكتور الشيخ عبد اللطيف آل الشيخ , فالقيادة والشعب يتوقّعون منه أن يبقى ويرى نتائج محاولاته لإصلاح أوضاع الهيئة وعلاقتها مع الناس. وأتساءل: ترى من الذي حاول اغتيال الرئيس؟ الرافضون لتعدِّيات منسوبي الهيئة؟ أم الرافضون لتعيين رئيس يضبط أوضاعها ويحاسب المتجاوزين؟ أم المصطادون في الماء العكر؟ حيث تشوّه أيّ نظام رسمي إلى نظام تسلُّطي تعيث به ميول البشر، هو ما يسبب في النهاية سقوط النظام، حين يقرر البشر أنهم فعلاً ليسوا في أمان وأنهم فعلاً لا يطيقون التسلُّط.
ولذلك أدعو للرئيس بالسلامة، فهو جاد في القيام بما كلّف به من إعادة الأمور إلى وضعها المفترض وإلزام الهيئة بالدور المناط بها وخدمة الهدف المحدّد لها, محاولاً تصحيح الوضع ومنع التجاوزات. أعانه الله في مواجهة تحدِّي «مهمة صعبة» يريدها البعض أن تكون «مهمة مستحيلة».
شعيرة «الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر» التي تحمّل كل فرد في المجتمع المسلم مسؤولية ممارسة الصح والنُّصح به, جاءت أصلاً توجيهاً للأمة بكاملها, قائمة على التطوُّع باحتساب للأجر في الآخرة, وعلى نقاء الوجدان. الإشكالية أنها تحوّلت إلى وظيفة بموقع يعمل فيه البشر بأجر دنيوي, وتتيح فرصة تسلُّط على الآخرين. وبذا أشرع باب غير مقصود يجتذب إليها بعض البشر يحملون ميولاً تنحرف عن الهدف منها بل تناقضه, من الصعب تجاهل وضوح واستشراء نتائج تصرُّفاتهم. وأنه على مدى العقود التي جعلت القيام بشريعة جاءت كتعليم للأمة مجالاً رسمياً تحوّل فأمسى محمياً من المحاسبة والعقاب, وتنامى فأمست الهيئة جهازاً مترهلاً مثقلاً بمتمرِّدين يقاومون أن يخضعوا لأي سلطة رسمية - بما في ذلك تعليمات رئاستهم الخاصة - تحدّد ما لمنسوبيه أن يفعلوا أو لا يفعلوا. في ذات الوقت الذي أتاحت بوجودها كجهاز يحترم المجتمع سلطته، أن يلتصق بظلّها وشكلها كل من لديه ميول للعدوانية ويستعذب التحكُّم في الآخرين, وقد يمضي في ذلك حد اختلاق مسببات الاحتكاك بهم بتبرير الشك. فهل من المعقول أن نتسامح مع من يحكم على كل البشر من منطلق الشك؟, ونعذر من شكّ فأثم وآذى بعذر «أنّ البشر خطاؤون» ؟؟. فبتبرير حماية المجتمع من احتمال لا أخلاقية بعض الناس, تجاهل بعض منسوبي الجهاز والمتظلّلين به ضرورة التحكُّم في ميولهم الفطرية وحماية المجتمع من شكوكهم، والحكم على نيّات الغير بما يدور في رؤوسهم.
الشعيرة الأصل قامت لخدمة وحماية المجتمع وليس الهيئة. ربما الإصرار على ترسيخ صورة «المجتمع المنحرف» هو من باب تبرير استمرار وجودهم لمراقبته, وبالتالي تضمن استمرار مواقع وظيفة تخدم مصالحهم. ففي البدء كل منظمة رسمية تقوم لخدمة هدف مشروع. ما يحصل لاحقاً أنها أمام إشكالية استمرارية البقاء؛ إذا نجحت في تحقيق الهدف انتفت ضرورة بقائها, وإذا لم تنجح فيه فهو إثبات لعجزها عن تحقيق الهدف. والمخرج للبسطاء هو تزييف الأدلة واختلاق المبررات. أما الحل الأفضل أخلاقياً فهو الانتقال إلى هدف آخر يتطلّب مواصلة العمل وبقائها كمنظمة لتحقيقه.
فلنكن متفهِّمين ونساعدهم في تحقيق الهدف بطريقة أكثر استحقاقاً للاحترام والشكر والتقدير. لتقوم الهيئة بواجبها الأصل عليها أن تتابع وتراقب الفساد المالي والإداري والانحراف الفكري. فلنكل إلى منسوبيها أن يقوموا بضبط مستغلّي المناصب والمختلسين والمرتشين، بالإضافة إلى الاستجابة لطلبات ضبط المبتزّين مع ضرورة توثيق الأدلّة. ونرحِّب بالمتعاونين على أن يترك القبض على الجناة للشرطة والإدانة أو التبرئة وتنفيذ الحكم للقضاء. أما بالنسبة للناس في الشوارع فلنجرّب إيقاف نشاط منسوبي الهيئة لمدة أسابيع أو أشهر، وندع منسوبي الأمن وحدهم يتولّون القبض على المتجاوزين كما هو المفروض أن يكون! وأجزم أنّ كل أطياف المجتمع ستبتهج بالنتائج.
كل عام وأنتم بخير .. عيد أضحى مبارك للجميع.