| |
القرود الخمسة نادر بن سالم الكلباني
|
|
كلنا نعرف قصة القرود الخمسة، وللتذكير بها، أقول إن مجموعة من الباحثين المعنيين بمراقبة ودراسة سلوك الحيوان، علهم بهذا يقتربون من معرفة طبيعة السلوك البشري والعوامل التي تؤثر فيه، جمعوا خمسة قرود في قفص، ووضعوا موزاً في أعلى القفص، وكرد فعل طبيعي تسابقت القرود للفوز بالموز.. مباشرة عاقب الباحثون جميع القرود بفتح خرطوم ماء ساخن عليهم، كررت التجربة في اليوم التالي، وتكرر أيضاً السلوك نفسه من القرود، وتكرر العقاب نفسه واستمر الوضع لفترة فهمت فيها القرود أن الفوز بالموز لا يجلب إلا الألم والمعاناة وماءً حاراً مؤذياً يُسكب عليهم، فتوقف سعيها للحصول على الموز، في المرحلة الثانية من التجربة أخرج الباحثون قردين من أصل خمسة القرود الموجودين في القفص واستبدلوهما بآخرين، وكردة فعل طبيعية أيضاً تسابق القردان الجديدان للوصول للموز بينما اكتفت بقية القرود ذوي الخبرة بالتفرج فعاقب الباحثون القردة جميعهم بسكب الماء الحار عليهم، عندما تكررت التجربة في اليوم التالي، حاول القردان الجديدان الوصول للموز، لكن بقية القردة تصدت لهما وقاموا بمواجهتهما وضربهما وحالوا دون وصولهما للموز، على أساس فهمهم أن اقتراب أي قرد من الموز سيعرضهم للعقاب الشديد الذي لا يُحتمل، وهكذا استمرت الحال، كلما حاول قرد الوصول للموز قامت بقية القرود بمحاربته والحيلولة دون وصوله للموز، فتأكد للباحثين أن القردة قد استوعبت تماماً أن العقاب سيحل بهم لو حاول أحدهم الاقتراب من الموز بغض النظر عمن يفعل ذلك وأنها الآن حريصة جداً على عدم المساس بالموز أو السماح لأحد بالاقتراب منه، في المرحلة الثالثة من هذه التجربة استمر الباحثون بوضع الموز مع إدخال قرد جديد بعد فترة زمنية محددة وإخراج قرد ممن خاض التجربة من البداية، ولاحظوا أنه كلما حاول القرد الجديد عديم الخبرة في هذه المسألة الوصول للموز تقوم بقية القردة بقتاله والحيلولة دونه ودون الموز، حتى مرت فترة تغير فيها كل القرود الخمسة الأوائل بآخرين لا يعرفون أصل الموضوع، ولم يعيشوا التجربة من بدايتها لكن السلوك الذي تناقلته القرود ظل كما هو، بأن يقوم بقية القرود بقتال أي قرد يحاول الوصول للموز دون فهم للمبرر غير أنهم شاهدوا القرود السابقين يفعلون هذا ففعلوه. قصة معروفة، تردد دائماً للموظفين في الاجتماعات الدورية معهم، لتبيان أهمية فهم أصل كل مسألة تمر بهم في عملهم اليومي، وأن الكثير من الممارسات والقوانين التي تُطبق لا أصل لها وإنما تناقل الموظفون سلوكاً لا يعرفون أصله ولم يفهموه وزادوا عليه من شخصياتهم وطباعهم، فتغيرت بهذا الكثير من الأمور والحقائق على الواقع العملي المطلوب.. والسؤال هو: كم إنساناً يعيش بيننا ويحدث السلوك الإداري الذي لا أصل له في عرف القانون، فقط لأنه رأى موظفاً قبله يفعل ذلك، والله المستعان.
nalkalbani@hotmail.com |
|
|
| |
|