الإمام الشافعي هو أحد الأئمة الأربعة أصحاب المذاهب المشهورة وقد نبغ - رحمه الله - في العلم حتى أصبح له مذهب سُمي بالمذهب الشافعي، وقد جمع الإمام الشافعي - رحمه الله - بين العلم والورع فكان إضافة إلى دقة استنباطه للأحكام وهو أول مَنْ ألَّف في أصول الفقه كتاباً سماه بالرسالة فإن كان تقياً صالحاً وإماماً من أئمة أهل السنة والجماعة، ومما يؤثر عنه - رحمه الله - أنه قال أبياتاً في حب الصالحين تدل على صلاحه وتقواه - رحمه الله - يقول فيها:
ولو كنَّا سوياً في البضاعة |
وحاشاه - رحمه الله - أن يكون من غير الصالحين أو أن يكون من أهل المعاصي والغافلين ولهذا ردَّ عليه أحد العلماء مؤكداً أنه من الصالحين وأنه سوف يرافقهم إن شاء الله في الآخرة فقال:
ومن أحبّ القوم يحشر مع الجماعة |
ولا شك أن الإمام الشافعي عندما قال هذه الأبيات وقالها بكل ورع وتجرد يعلم فضل محبة الصالحين وما لها من ثمار عظيمة في الدنيا والآخرة ولا سيما أن كل محبة ليست لله تعالى فإنها تذهب يوم القيامة وتبقى المحبة التي تكون لله وفي الله كما قال الله تعالى في كتابه الكريم عن المتحابين يوم القيامة إذ يقول سبحانه: {الْأَخِلَّاء يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ}، ولمحبة الصالحين العديد من الثمرات والفوائد في الدنيا والآخرة ومن أهم هذه الثمرات والفوائد:
1 - أن محبة الصالحين سبب لمحبة الله تعالى لما رواه أبو هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم: (أن رجلاً زار أخاً له في قرية أخرى فأرصد الله تعالى على مدرجته - أي طريقه - ملكاً فلما أتى عليه قال أين تريد؟ قال: أريد أخاً لي في هذه القرية. قال: هل لك عليه من نعمة تربُّها - أي تقوم بها - عليه؟ قال: لا غير أني أحببته في الله تعالى قال: فإني رسول الله إليك بأن الله قد أحبك كما أحببته فيه) رواه مسلم.
2 - أن محبة الصالحين سبب لأن يستظل صاحبها تحت ظل الله تعالى يوم القيامة لما رواه أبو هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن الله تعالى يقول يوم القيامة أين المتحابون بجلالي - أي في جلالي - اليوم أظلهم في ظلي يوم لا ظِلَّ إلا ظلي) رواه مسلم.
ولهذا يتميز المتحابون في الله يوم القيامة عن غيرهم فيكونون على منابر من نور يجلسون عليها لما رواه معاذ بن جبل رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (قال الله عز وجل: المتحابون في جلالي لهم منابر من نور يغبطهم النبيون والشهداء) رواه الترمذي وقال حديث حسن صحيح.
3 - أن محبة الصالحين سبب من أسباب دخول الجنة وبلوغ الدرجات العالية التي يحصل عليها السابقون منهم، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (والذي نفسي بيده لا تدخلوا الجنة حتى تؤمنوا ولا تؤمنوا حتى تحابوا أولا أدلكم على شيء إذا فعلتموه تحاببتم أفشوا السلام بينكم) رواه مسلم.
وأما بلوغ الدرجات العالية واللحوق بالصالحين فقد روى أبو موسى الأشعري رضي الله عنه أن رجلاً جاء للنبي صلى الله عليه وسلم فقال: متى الساعة؟ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما أعددت لها؟ قال: حبّ الله ورسوله. قال: أنت مع من أحببت) متفق عليه.
وعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ثلاث من كنَّ فيه وجد بهنَّ حلاوة الإيمان: أن يكون الله ورسوله أحبَّ إليه مما سواهما وأن يحب المرء لا يحبه إلا لله وأن يكره أن يعود في الكفر بعد أن أنقذه الله منه كما يكره أن يُلقى في النار) متفق عليه.
فهل أحببنا الصالحين لعلنا نحصل على هذه الثمار اليانعة والفوائد الكبيرة أم أن في قلوبنا شيئاً على إخواننا، قال ابن الجوزي - رحمه الله معلقاً على الحديث الذي رواه الإمام مسلم وفيه يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم (والأرواح جنود مجندة فما تعارف منها ائتلف وما تنافر منها اختلف) رواه مسلم.
قال ابن الجوزي: وفي الحديث أن الإنسان إذا وجد من نفسه نُفْرة عن ذي فضل وصلاح ينبغي أن يبحث عن المقتضي لذلك ليسعى في إزالته فيتخلص من الوصف المذكور أعلاه وكذا عكسه, وهل حرصنا أيها الكرام على استكمال الإيمان آخذين بحديث نبينا صلى الله عليه وسلم الذي يقول فيه (لا يؤمن أحدُكم حتى يحبَّ لأخيه ما يحب لنفسه) متفق عليه، ومحبة الصالحين تعني حب الخير لهم ونصحهم وإخبارهم بحبهم وفعل كل ما تقتضيه تلك المحبة من وصالهم والدعاء لهم والنصح لهم والتقرب إلى الله تعالى بحبهم.
أسأل الله لتعالى أن يجعلنا من المحبين للصالحين الذين يحبهم رب العالمين وأن يجعلنا من المتعاونين على البر والتقوى الناصحين لإخوانهم الصادقين في نصحهم إنه سميع مجيب وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين.
nhalotibi@uae-us
|