إعداد: فايز بن موسى البدراني الحربي
قراءة: حنان بنت عبدالعزيز آل سيف
الخيل مظهر من مظاهر الحضارة العربية، ورمز من رموز الأصالة والتراثية، ومعلم من معالم الفروسية، وزادها عراقة وأصالة ذكرها في الحديث الشريف في قوله صلى الله عليه وسلم: (الخيل معقود بنواصيها الخير إلى يوم القيامة)، وفي حديث نبوي آخر قال: (علموا أبناءكم السباحة والرمي وركوب الخيل)، هذا وقد حفلت كتب التراث بأخبارها وأوصافها وتتبع حركاتها وأجناسها، فكانت محط اهتمام الشعراء، ومرتع أنظار الأدباء، فقالوا فيها شعراً رائقاً رائعاً، كقول أبي الطيب المتنبي الشاعر العباسي الفحل في قصيدة يمدح فيها عضد الدولة، ويصف فيها شعباً من أجمل شعاب الدنيا، بل هو من عجائبها فيقول في وصف شعب بوان:
مغاني الشعب طيباً في المغاني |
وفي وصف هذا الحصان الأصيل يقول المتنبي في نفس القصيدة:
فخيل أبي الطيب عريقة أصيلة ومن هنا فهي تستحق أن يخلد ذكرها في شعره، والحديث عن الخيل حديث ممتع وهي تذكر النفس العربية المسلمة قروناً ماضية، وأزمنة سالفة، وبين يديّ كتاب شجي يطرح موضوع الخيل بجمال وكمال، وهو: (من أخبار الخيل عند قبيلة حرب) والمؤلف سبقت الإشارة إليه قبل قليل، والطبعة التي أعمل عليها هي الأولى لعام 1419هـ، وجادت به الأنامل الذهبية لدار البدراني للنشر والتوزيع - عمرها الله -.
هذا ويسترسل المؤلف - حفظه الله - في شرح خطته المنهجية للكتاب، فجاء في مقدمته ما فحواه: (لقد ارتبط الذهن العربي بالخيل ارتباط الفارس العربي بحصانه الذي كان عنده في منزلة لا تقل عن منزلة فلذات كبده، بل ربما يقدم على الأولاد أحياناً).
ولن أستطرد في الحديث عن الخيل وفضلها وأهميتها ووفائها لصاحبها ووفاء صاحبها لها، ولن نستطرد أيضاً في الحديث عن مكانة الخيل لدى العرب في جاهليتهم وإسلامهم، وما تضمنه شعرهم ونثرهم من إطراء الخيل والاعتداد بها، لكنني سأقتصر في هذا الكتيب المتواضع على بعض أخبار الخيل عند قبيلة حرب كجزء من اهتمامي بالبحث والكتابة في تاريخ هذه القبيلة التي تمثل الخيل جزءاً مهماً من تاريخها، شأنها بذلك شأن القبائل العربية في الجزيرة العربية وفي منطقة نجد بالذات.
ومن أولى الملاحظات التي لا حظتها حول هذا الموضوع قلة أخبار الخيل عند هذه القبيلة ونقص المعلومات المتعلقة بالخيل وأخبارها، وما هذا النقص إلا امتداد لقلة تدوين تاريخ القبائل العربية، وأخبارها وأيامها، وأعتقد أن التدوين عن الخيل من أهم الجوانب المفقودة من تاريخ القبائل العربية وبخاصة في وسط الجزيرة العربية التي تتميز بتعتيم إعلامي وتاريخي قبل قيام الدولة السعودية التي حولت البلاد من الفوضى والجهل إلى الوحدة والنظام والحضارة، فبدأ عهد تاريخي جديد من التدوين والكتابة والوعي الثقافي وما ينتج عنه من اهتمام بالبحث والتأليف في شتى مجالات العلم ومنها التاريخ. هذا ويمعن المؤلف - حفظه الله - في حديثه العذب عن جهود علامة الجزيرة في إحياء التراث، وإشباع تاريخ الجزيرة بالنبش والتحقيق والدراسة فيقول: (كنت أتابع خلال سنوات مضت الجهود الرائدة لعلامة الجزيرة العربية الشيخ حمد الجاسر في إحياء دراسة تاريخ الجزيرة ونبش مكنوناته، وكنت أعيش الفرحة والغبطة مع كل إصدار جديد له، سواء كان ذلك تحقيقاً أو تأليفاً أو مقالة أو مقابلة، وذات مرة حدثنا الشيخ عن مخطوطة نادرة حول الخيل في نجد خلال القرن الثالث عشر الهجري، فذكر أنه اطلع عليها ثم اختفت أو كادت أن تختفي وتكرر حديثه عن هذه المخطوطة حتى علمت أنه عثر على بعض نسخها وأنه بصدد تحقيقها وإخراجها، وكم كانت فرحتي بهذا النبأ عظيمة.
ولشدة اهتمامي وغبطتي بإخراج هذا الكنز التاريخي، فقد تابعت خطوات هذا العمل إلى أن خرج بفضل الله ثم بفضل عزيمة علامة الجزيرة وإصراره على تحقيق هذا الهدف بالرغم مما كان يعتريه من الاعتلالات الصحية في تلك الفترة، وما لديه من المشاكل والمسؤوليات تجاه مجلة العرب وتجاه بحوثه الأخرى، وأخيراً تجاه قرائه ومحبيه).
وقام المؤلف بجمع المصادر الأساسية المطبوعة المؤلفة عن الخيل، وأراد من ذلك تقديمها وتوجيهها للمهتمين بالخيل، وهذا الجمع جاء قصراً على المراجع العربية، وهذا الجمع من قبل المؤلف كان مبعثه تسهيل مهمة الاطلاع عليها والنقل والاقتباس منها، وأهم هذه المصادر ما يلي:
1- أنساب الخيل لابن الكلبي، 2- الجندية في عهد الدولة الأموية تأليف: رفيق الدقدوقي، 3- جواب السائل عن الخيل الأصائل تأليف: الأمير عبدالله بن الحسين الهاشمي، 4- الحلبة في أسماء الخيل المشهورة في الجاهلية والإسلام تأليف: الصاحبي التاجي، 5- حلية الفرسان وشعار الشجعان تأليف: ابن هذيل الأندلسي، 6- الخيل لأبي عبيدة معمر بن المثنى، 7- الخيل للأصمعي، 8- الخيل عند العرب - د. منذر البكر، 9- رحلة إلى الرياض - تأليف: لويس بيلي، 10- رحلة إلى بلاد نجد لليدى آن بلنت، 11- رشحات المداد فيما يتعلق بالصافنات الجياد لمحمد البخشي، 12- عقد الأجياد في الصافنات الجياد لمحمد بن عبدالقادر الجزائري، 13- فائت الحلبة في أسماء الخيل المشهورة في الجاهلية والإسلام تأليف: د. حاتم صالح الضامن، 14- الفروسية لابن القيم الجوزية، 15- فضل الخيل للحافظ الدمياطي، 16- من حديث بوركهارت عن الخيل العربية، 17- معجم أسماء خيل العرب وفرسانها جمع الشيخ العلامة حمد الجاسر.
وأفاض مؤلف الكتاب - حماه الله - في الإشارة إلى الخلفية التاريخية عن الخيل عند قبيلة حرب؛ فالخيل عند هذه القبيلة العريقة قديمة قدم الإنسان البدوي العربي نفسه ومن نفى هذا فقد جهل تاريخه وتاريخ أجداده. وعن موضوع الخيل عند قبيلة حرب يقول المؤلف ما نصه: إن قبيلة مزينة العربية العريقة التي هي الآن أحد البطون الرئيسية لقبيلة حرب كان فيها من الفرسان والخيل ما في غيرها من القبائل في العصر الجاهلي، وكذلك في عصر صدر الإسلام والفتوحات الإسلامية التي شاركت فيها قبيلة مزينة برجالها وسلاحها ابتداء من فتح مكة ومعركة نهاوند وما تلاها من الفتوحات الإسلامية شرقاً وغرباً، فهذا الصحابي الجليل معن بن أوس المزني يقول من أبيات يفخر فيها بقبيلته:
ولو سرت حتى مطلع الشمس لم تجد |
لقومٍ على قومي وان كرموا فضلا |
أعف وأوفى بالصباح فوارساً |
إذا الخيل جالت في أعنتها قبلا |
ونحن أناس نحسن القيل والفعلا |
ونحن نخينا عن تهامة بالقنا |
وبالجرد يمعلن الرفاق بنا فعلا |
متوناً طوالاً أدمجت وشوى عبلا |
أما قبيلة حرب الخولانية اليمنية فهي كذلك لها خيلها وخيالتها التي هي عماد شوكتها في الحروب، وعدتها في ميادين الكر والفر وساحات القتال، كيف لا وهذا فارسها وزعيمها عمرو بن زيد بن عبدالله بن الحارث بن عمرو بن الفياض بن حرب يقول في وصف الحرب بين بني سعد بن سعد وبين بني الربيعة بن سعد بن خولان:
يقول عمرو لنا والخيل مسرعة |
تحت الكماة وقد جالت عواديها |
مهلاً لك الخير لا تفعل فقلت له |
اقصر فإن مميت النفس محييها |
همزتُ مهري برجلي ثم قلت له |
اذهب إليهم فقد سارت بما فيها |
هذا وتميز طرح المؤلف بالإفاضة والدقة وحسن سياق الشاهد الشعري من حيث نقله من مظانه ومضمونه.
عنوان المراسلة:
ص. ب (54753) الرياض (11524) hanan-bin-saif@hotmail.com |