من يصدِّق أنَّ أرض الصمان البرية يخرج منها اللؤلؤ، هذا الجوهر النفيس الذي يؤتى به من أعماق البحار, وفي سبيل الحصول عليه يتعرّض الغاصة إلى مخاطر البحر وأهواله.
يقول الشاعر سعد الضحيك من بادية عنيزة، عندما التحق بإحدى سفن الغوص وكان متحمساً ونشيطاً، ولكن حدث ما عكّر صفوه بعدما شاهد أحد الغواصين قد قَسَمه سمك القرش إلى نصفين, وصادف هذا الموقف المريع أن شاهد في السماء مرور بعض الطيور العابرة إلى البر (1):
ولكن قبل الحديث عن قصة لؤلؤة الصمان العجيبة والتي ظهرت في رياض وقيعان الصمان الشهيرة في حادثة عجيبة ذكرها السيرافي في رحلته (4), أجد أنّه من المناسب التعريف بشكل مختصر بأرض الصمان والتي أطال علماء المنازل والديار في وصفها وأكثروا القول فيها، مما لا يتسع المقام إلاّ لإيراد اليسير منه.
قال ياقوت الحموي في (معجم البلدان): قال الأصمعي: الصمان أرض غليظة دون الجبل، قال أبو منصور: وقد شتوت الصمان ورياضها شتوتين, وهي أرض فيها غلظ وارتفاع وفيها قيعان واسعة وخباري تنبت السدر عذيه, ورياضها معشبة, واذا أخصبت ربعت العرب ونعمها جمعاء.
وقال البكري في معجمه: الصمان جبل في أرض تميم (أحمر) ينقاد ثلاث ليال وليس له ارتفاع. وعن الأزهري في التهذيب: وليس في الصمان لوبه, لأن حجارة الصمان (حمر)(5).
وجاء في كتاب (دليل الخليج) للوريمر في حديثه عن الصمان: ( وبعد سقوط الأمطار الغزيرة يتحول الصمان إلى منطقة رعي عظيمة أفضل من الدهناء، وتتوفر فيه جميع أنواع حشائش الرعي بكثرة وترى فيه بعض الزهور.
ويضرب العرب خيامهم في الصمان ومعظمهم تقريبا من قبيلة مطير).
وقال علامة الجزيرة الشيخ حمد الجاسر - رحمه الله -: (والصمان لا يزال من أشهر الأمكنة التي ترتادها البادية حين يجود الغيث، فتصبح من أجود المراعي، حيث تتوفر فيه جميع أنواع حشائش الرعي).(6) ومن أشهر العدود في الصمان اللصافة والقرعة واللهابة. والصمان يقع في الجزء الشرقي من المملكة العربية السعودية. ً
وللصمان أيضاً نصيب وافر في الشعر العربي, سواء في قصائد الشعراء المتقدمين منهم أو المتأخرين. قال الفرزدق يمدح هشام بن عبد الملك:
إليك من الصمان والرمل أقبلت
تخب وتخدي من بعيد سباسبه
ومن شعر علي بن محمد العلوي (قائد ثورة الزنج) والذي ثار في أرض البحرين على وقت العباسيين، حين رأى المكاء (7) في الصمان:
أيا طائر الصمان مالك مفرداً
تأسَّيْتَ بي أم عاق إلفَك عائق
ومن شعراء العرب المتأخرين والذين أكثروا من ذكر الصمان في قصائدهم الفارس والشاعر دعسان بن حطاب الدويش .. ففي إحدى قصائده يتمنى نزول المطر على مرابع قومه بالصمان عندما كان في حايل في عام 1292 هـ, يقول دعسان:
البرق لاح وتو يا حمود شفناه |
جعله على ما نشتهي من وطنا(8) |
جعله على الصمان يحمي رفاياه |
بين السبوق وبين حسناء يرنا |
وله أيضاً:
وإلى غداء الصمان مثل القزازي |
وكنه يفرش في مثانيه بَزّي |
وان قالوا (الصلب الحمر) فيه قازي |
بين القريطا والزبيدي مْنَزِّي |
أما تفاصيل قصة لؤلؤة الصمان, فيذكرها لنا السيرافي بلسانه فيقول: (ومن عجائب ما سمعنا من أبواب الرزق: أنَّ أعرابياً ورد البصرة في قديم الأيام ومعه حبَّة لؤلؤ تساوي جملة من المال، فصار بها إلى عطّار كان يألفه فأظهرها له وسأله عنها وهو لا يعرف مقدارها، فأخبره أنها لؤلؤه, فقال وما قيمتها قال مائة درهم فاستكثر الأعرابي ذاك وقال:
هل أحد يبتاعها مني بما قلت, فدفع له العطار مائة درهم فابتاع بها ميرةً لأهله, وأخذ العطار الحبة فقصد بها مدينة السلام (بغداد) فباعها بجملة من المال واتسع العطار في تجارته, فذكر العطار أنه سأل الأعرابي عن سبب اللؤلؤة، فقال مررت بالصمان وهي في أرض البحرين (9) بينها وبين الساحل مديدة قريبة، فرأيت في الرمل ثعلباً ميتاً على فِيه شيء قد أطبق عليه, فنزلت فوجدت شيئا كمثل الطبق يلمع جوفه بياضاً, ووجدت هذه المدحرجة (10) فيه فأخذتها, فعلم السبب أن السبب في ذلك خروج الصّدفة إلى الساحل تستنشق الريح, وذلك من عادة للصدف, فمرَّ بها الثَّعلب فلما عاين اللحمة في جوفها, وهي فاتحة فاها وَثَبَ بسرعته فأدخل فاه في الصدف وقبض على اللحمة، فأطبقت الصدفة على فِيهْ, ومن شأنها إذا أطبقت على شيء وأحست بيد تلمسها, لم تفتح فاها بحيلة حتّى تشقَ من آخرها بالحديد, ظناً منها باللؤلؤة وصيانة لها كصيانة المرأة لولدها, فلمّا أخذت بنفس الثعلب أمعن في العدْو يضرب بها الأرض يميناً وشمالاً إلى أن أخذت بنفسه فمات وماتت, وظفر رزقاً(11).
وأختتم مقالي هذا ببيت شعر جميل لمحسن الرقعي المطيري:
من راح للصمان واقفت مطاياه
ما عاد يقدر لو بغى الانحرافي
للتواصل مع الكاتب الهوامش:
(1) النجديون وعلاقتهم بالبحر لعبدالله الضويحي: 107.
(2) قنه: موقع في البحر (مغاص).
(3) الهير: مكان اللؤلؤ في البحر.
(4) السيرافي كان على قيد الحياة في عام 303هـ، حيث التقى به المسعودي صاحب كتاب (مروج الذهب) في ذلك العام.
(5) لوبه: هي الحرة ذات الصخور النارية السوداء.
(6) المعجم الجغرافي للمنطقة الشرقية للشيخ حمد الجاسر:992.
(7) المكاء: طائر بري يمتاز بتغريده القريب إلى التصفير أو صوت المزمار, والعامة يطلقون عليه اسم (أم سالم).
(8) حمود: هو حمود بن عبيد الرشيد من فرسان قبيلة شمر المعدودين.
(9) كان يطلق قديماً اسم البحرين على أجزاء كبيره من ما يسمى الآن بالمنطقة الشرقية ويضاف إليها جزيرة أوال (البحرين حالياً).
(10) يعني بالمدحرجة: اللؤلؤة.
(11) رحلة السيرافي: 92.
assamism@Yahoo.com |