| |
العمل التطوعي الخيري نبراس في جبين المجتمعات وسيلة محمود الحلبي
|
|
قال الله تعالى في كتابه العزيز: {وَقُلِ اعْمَلُواْ فَسَيَرَى اللّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ}. من المؤكد أن العمل التطوعي الخيري هو ركيزة أساسية في بناء المجتمعات ودعم للتماسك الاجتماعي بين أفرادها. وهو بحد ذاته ممارسة إنسانية ترتبط بفعل الخير والعمل الصالح، ويختلف في شكله وحجمه واتجاهاته ودوافعه من مجتمع لآخر وبين فترة زمنية وأخرى، والعمل التطوعي هو: تسخير الشخص نفسه عن طواعية دون إكراه أو ضغوط خارجية لمساعدة الآخرين ومؤازرتهم بقصد القيام بعمل يتطلب الجهد وتعدد القوى باتجاه واحد، وهو كذلك يخدم الإنسان وطنه وأهله من مخاطر تؤدي إلى الموت إن لم يتربص بها ويقضي على أسبابها. (والتطوع) هو بذل المرء شيئاً من جهده ووقته وطاقته وإمكاناته لتحقيق مصلحة دينية أو دنيوية أو دفع مفسدة أو مضرة دينية أو دنيوية عن أمته ومجتمعه ابتغاء الأجر عند الله تعالى، والتطوع بالمفهوم الإسلامي: هو الجهد الذي يبذله الإنسان من دون مقابل لمجتمعه بدافع منه للإسهام في تحمل مسؤوليات المؤسسة الاجتماعية التي تعمل على تقديم الرفاهية للإنسان على أساس أن الفرص التي تتهيأ لمشاركة المواطن في أعمال المؤسسات هي ميزة يتمتع بها الجميع والمشاركة تعهد يلتزمون به. قال الله تعالى في كتابه العزيز: {مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ}(97)سورة النحل. ويمكن أن يكون العمل التطوعي الإسهام بالعمل أو التمويل أو إبداء الرأي أو تقديم الخطط والدراسات التي تسهم في معرفة الحاجات الاقتصادية والثقافية والتعليمية والتنموية للأفراد والمجتمع وتعمل على إيجاد الحلول ووضع البرامج اللازمة لتنفيذها. والعمل التطوعي هو أيضاً دافع أساسي من دوافع التنمية بمفهومها الشامل اقتصادياً وسياسياً واجتماعياً وثقافياً، ودليل ساطع على حيوية المجتمع واستعداد أفراده للتفاني والتضحية، وهو أيضاً نوع من الاختبار الحر للعمل، وقناعة لمشاركة الأفراد طواعية في العمل من واقع الشعور بالمسؤولية. فقد جاء في (لسان العرب) لابن منظور أمثلة منها: جاء طائعاً غير مكره - ولتفعلنه طوعاً أو كرهاً. وخير القول قول الله سبحانه وتعالى في كتابه العزيز: {فَمَن تَطَوَّعَ خَيْرًا فَهُوَ خَيْرٌ لَّهُ}، فهذه أعظم إشارة من الله - سبحانه وتعالى - إلى فائدة التطوع النفسية الكبيرة للمتطوع.. والعمل التطوعي هو عمل خيري لراحة النفس والشعور بالاعتزاز والثقة بالنفس عند من يتطوع ويساعد المرضى المتطوعين في تجاوز محنتهم الشخصية والتسامي نحو خير يمس محيط الشخص وعلاقاته ليشعروا بأهميتهم ودورهم في تقدم المجتمع الذي يعيشون فيه مما يعطيهم الأمل بحياة جديدة أسعد حالاً. والعمل التطوعي في النهاية هو كل عمل يقدم للمجتمع، وكل بذل فيه صالح الناس، ولا بد أن أشير إلى أن العمل التطوعي يختلف عن السلوك التطوعي.. إذ إن (السلوك التطوعي) هو سلوك عفوي يظهر نتيجة لاستجابة الفرد لظرف طارئ كإنقاذ غريق، أو إنقاذ أحد المحتجزين، في حالة حريق أو إسعاف مصاب جريح بحادث، إذ إن هذا العمل يأتي تلبية لرغبات إنسانية وأخلاقية صرفة حركتها ظروف معينة، ولا يتوقع من قام بها أن يحصل على أي مقابل مادي. بينما (العمل التطوعي) فهو العمل المنظم والدائم الذي لا يرتبط بظرف معين، بل يرتب بقناعة وإيمان بالفكرة والأهداف، وأهم ما يميزه أنه عمل إنساني لا يهدف إلى الكسب المادي. وهناك نوعان من العمل التطوعي وهما: العمل التطوعي الفردي، والعمل التطوعي المؤسسي، ويعني العمل التطوعي الفردي: عمل وسلوك اجتماعي يمارسه الفرد من تلقاء نفسه وبرغبة منه وإرادة ولا يبغي منه أي (مردود مادي)، ويقوم على اعتبارات أخلاقية أو اجتماعية أو إنسانية أو دينية. أما العمل التطوعي المؤسسي: فهو أكثر تقدماً من العمل التطوعي الفردي وأكبر تنظيماً وأوسع تأثيراً في المجتمع، ونلاحظ أنه في المجتمع هناك عدد كبير من الجمعيات والمؤسسات الأهلية والحكومية تسهم في تطوير المجتمع، لأن العمل المؤسسي يسهم في جمع الجهود والطاقات الاجتماعية المبعثرة. ولعل تعريف التطوع المتعارف عليه بأنه (العمل من دون مقابل) أشعر أنه ضعيف نوعاً ما.. وبرأيي الشخصي المتواضع، فإنني أرى أن معناه الأجمل هو (الحاجة إلى التكاتف والتعاضد لمواجهة أعباء الحياة ومخاطرها)، (والحاجة) هنا لا أقصد بها عملاً معيناً أو فئة معينة.. ولذا فإن التطوع والعطاء هما نوع من التفاعل المجتمعي الذي يجب أن نجعله جزءاً من التربية والتعليم، ومن الممارسة الحياتية اليومية دون أن (نؤطره بإطار معين). وأنا أؤكد هنا على أهمية فتح مصطلح (التطوع) كي يشمل كل عمل فيه صالح الناس؛ لأنه الهدف النهائي الذي لا بد أن يصل إليه المتطوع في حقيقة ذاته ونفسه. وهو في الأساس العمل التطوعي (بنية أخلاقية) وهذا ما أكده كاتبنا العظيم الشيخ عبدالله النعيم في كتابه الرائع (العمل الاجتماعي التطوعي). والعمل التطوعي من الوسائل المهمة جداً جداً جداً للمشاركة في تقدم المجتمعات باعتباره مسانداً ومعاضداً للجهات الحكومية في تلبية الاحتياجات الاجتماعية. ونلاحظ أن الإنسان المتطوع يكتسب أهمية كبيرة في المجتمعات لكثير من الأسباب أهمها: أنه ينمي الجانب الإنساني للمجتمع الذي يسهم في التعامل والتراحم بين الناس، ويتيح الفرصة إلى التعرف على احتياجات المجتمع، ويزيد من قدرة الإنسان على التفاعل والتواصل مع الآخرين، وينمي الحس الاجتماعي لدى الفرد المتطوع، ويمنحه الثقة بالنفس، واحترام الذات ويساعده على ترجمة مشاعر الولاء والانتماء إلى واقع ملموس، ويساعد على استثمار الوقت. وتكمن أهمية هذا العمل للإنسان في سن الشباب، كونه يعزز انتماءهم ومشاركتهم، وينمي مهاراتهم وقدراتهم الفكرية والفنية والعلمية والعملية، ويتيح لهم المجال للتعبير عن رأيهم في القضايا التي تهم المجتمع والمشاركة في اتخاذ القرار. ولكن، لا بد أن يكون هناك حافز وتنشيط لتلك الأعمال التطوعية وأصحابها، حيث يلعب التحفيز والتنشيط دوراً بارزاً في المحافظة على المتطوع، واستغلال طاقاته وخبراته المستجدة سواء على صعيد الجماعة أو المؤسسة، ومن مجالات التحفيز مثلاً: مشاركته بالعمل الجماعي بالمؤسسة، وأن يكون مع الجماعة وليس على هامشها، وأن يكون عمل المؤسسة أو الشركة معروفاً ومرئياً لا أهداف مستترة له، ولا بد من الاعتراف دائماً بإنجازات المتطوع وعطاءاته وأخذ رأيه بعين الاعتبار، ولا بد من شكره وتقديره. لحظة صدق يبقى العمل التطوعي رمزاً ومفتاحاً لأمل الكثيرين من أفراد المجتمع من الجنسين على السواء، وهو منارة يشع منها الإيمان دون منَّة.
للتواصل: تليفاكس 2317743- ص ب 40799 الرياض 11511
|
|
|
| |
|