| |
الحج وتهذيب السلوك م. عبدالعزيز بن عبدالله حنفي (*)
|
|
منذ أن يطأ الحاج ثرى مكة الطاهر والمشاعر المقدسة يكون قد دخل بذلك في مرحلة تربوية يستلهم منهجها من المعلم الأول القدوة لكل مسلم رسول الله - صلى الله عليه وسلم -؛ ففي هذه الأيام المباركة المعدودة يكون الحاج مهيأً لتغيير الكثير مما اعتاد عليه في صخب الحياة واكتساب سلوكيات ومفاهيم لا نقول عنها إنها جديدة بل هي نابعة من منهل الدعوة الإسلامية من يومها الأول قبل أكثر من ألف وأربعمائة سنة، ولكنها مفاهيم متجددة قد تغيب عن البعض نتيجة الانغماس في مشاغل الحياة وضروراتها؛ فتأتي مواسم الطاعات وكأنها دورات تدريبية تأهيلية تعيد إلى الشخصية المسلمة توازنها وتغرس فيها الفضائل والسلوكيات التي ينتج عنها حسن الخلق في المعاملة والحديث واكتساب الهدوء والروية في المواقف الإيجابية والسلبية. وتجربة الحج هي بلا شك من أهم التجارب التي يمرّ بها المسلم؛ لأن طبيعة الزمان والمكان والأعداد الغفيرة من حجاج بيت الله الحرام الذين لبوا النداء تهيئ البيئة الروحانية التي يستفيد منها المسلم، قال الله تعالى: {الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَّعْلُومَاتٌ فَمَن فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلاَ رَفَثَ وَلاَ فُسُوقَ وَلاَ جِدَالَ فِي الْحَجِّ}، وقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : (من حج ولم يرفث ولم يفسق رجع كيوم ولدته أمه) والناظر لمعاني هذه الآية الكريمة والحديث الشريف - لا أقول بمنظار العالم المتبحر في مدلولات التفسير ودقائقه وإنما نظرة المسلم العادي - يجد أن الذي يحدد الحج المبرور من الحج المردود إنما يقوم على مراعاة ثلاثة جوانب تربوية: البعد عن الرفث والفسوق والجدال، وقبل ذلك كله اتباع المناسك التي حددها الرسول - صلى الله عليه وسلم - بقوله: (خذوا عني مناسككم)، وما أكثر المنافع والفوائد الإيمانية والسلوكية التي يرجع بها الحاج إلى أهله بعد أن هذبته التجربة الإيمانية وتحمل فيها مشقة أداء النسك مع صبره على إخوانه المسلمين في مواضع الاكتظاظ والازدحام والتعامل بينهم بالحسنى ابتغاء مرضاة الله ولسان حال الجميع يلهج إلى الله في ذلك الصعيد الطاهر: {رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ}. ولقد أمر الرسول - صلى الله عليه وسلم - بالرفق حتى عند رمي الجمار؛ فليس الثواب للحاج على قدر الصراخ والزحام ومدافعة الحجيج وإنما بالسكينة والوقار، وكل الخير في اتباع نهج الرسول - صلى الله عليه وسلم - وإذا وجدت جوانب سلبية فلا شك أن هناك قصوراً في تطبيق السنة؛ لأن الحج مدرسة في منهج الرفق في الأمر كله يحقق الأمن والأمان والطمأنينة، وإذا كان الله - عز وجل - قد نهى عن الجدال في الحج فذلك دليل على أهمية السكينة والحلم والأناة في التعامل بين الحجيج؛ ليشهدوا منافع الحج وليحققوا الغاية التي بذلوا فيها المال والوقت والتعب، وليرجعوا وهم متأثرون بهذا الجو الإيماني التربوي الذي يوجب الاحترام والتراحم والرأفة. كما يحسن أن نشير إلى دور العلماء والدعاة وطلبة العلم - جزاهم الله خيراً - ممن نذروا أنفسهم لإرشاد وتوجيه الحجاج إلى مناسك الحج وآدابه وما يجوز فيه وما لا يجوز؛ فكثير من القادمين لأداء النسك قد لا يكون لديه سابق علم بما يجب عليه، إما لحاجز اللغة وإما لقلة المعرفة أو التلبس بالبدع والمخالفات الشرعية؛ فكان ذلك الجهد المشكور من الدولة - رعاها الله - أن فعّلت نشاط الإرشاد والتوجيه في الحج فقلما تجد وسيلة إعلامية مقروءة أو مسموعة أو مرئية في هذه البلاد المباركة على وجه الخصوص إلا وهي عامرة بالبرامج التعريفية والدعوية عن الحج وما يتعلق به من شروط وأحكام، هذا بخلاف مَن هم مستنفرون في المشاعر المقدسة للفتوى والتوجيه.. نسأل الله أن يتقبل من الجميع، وأن يجعله حجاً مبروراً وسعياً مشكوراً وذنباً مغفوراً.
(*) رئيس الجمعية الخيرية لتحفيظ القرآن الكريم بمحافظة جدة
|
|
|
| |
|