| |
حديث الأسبوع الطب الشعبي الفضائي .. (أضغاث أحلام) د. محمد غياث التركماني
|
|
تطل علينا الفضائيات العربية منذ فترة لأخرى بوجوه عديدة يسمون أنفسهم (أطباء شعبيون). يتسترون بقناع الدين، ويدّعون أنهم بخفايا الطب عالمون. ولشفاء جميع الأمراض جاهزون. لكنهم والله جاهلون، بعقول البشر مستخفون. وأنا لست اليوم بصدد تعدادهم فهم كثر جداً. ولكل واحد منهم نصيب على تلك الفضائيات. وهذا النصيب عادة ما يستمر من عدة أشهر حتى سنة، ثم يكتشف الناس زيف ذاك (الطبيب) ويتحولون إلى آخر وهكذا على الناس تدور الدوائر. والحقيقة أنني إذ أكتب في هذا المجال فأنا لا أكتب تشهيراً بأحد أو تجنٍ على أحد، ولكني أكتب من تجاربي الخاصة مع مرضاي الأعزاء وحجم المآسي التي أراها في عيادتي من جرّاء تلك الوصفات والتركيبات والخلطات من أناس في الطب جاهلين وبعقول الناس مستهزئين ولجيوبهم مالئين. سأتوقف اليوم عند ظاهرة السيد أبو علي فمولانا يدّعي أن الله قد آتاه علماً لم يأتِ به على سواه. والله - جل جلاله - قد ذكر في محكم كتابه {وَلَقَدْ آتَيْنَا دَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ عِلْمًا وَقَالَا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي فَضَّلَنَا عَلَى كَثِيرٍ مِّنْ عِبَادِهِ الْمُؤْمِنِينَ} (15) سورة النمل. وملخص علمه أيها السادة هو معرفة اسم الشخص وأمه ثم يكون تشخيص المرض: (مولاتي.. أنت تعبانة بشكل غير طبيعي). ويبدأ بوصف حجاباته السحرية - على حد زعمه - التي تقي الشر وتبعد عنهم المرض و(العياذ بالله). لدى صاحبنا (أبوعلي) حجاب للرزق {يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَن يَشَاء وَيَقْدِرُ إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ }(12) سورة الشورى. وحجاب لحمل النساء العقيمات {أَوْ يُزَوِّجُهُمْ ذُكْرَانًا وَإِنَاثًا وَيَجْعَلُ مَن يَشَاء عَقِيمًا إِنَّهُ عَلِيمٌ قَدِيرٌ } (50) سورة الشورى، وألف حجاب وحجاب. من ناحيتي الشخصية لا استطيع أن استوعب كيف لهؤلاء الناس أن يتقبلوا العلاج بدون فحص دقيق لشكواهم أو تشخيص سليم لحالتهم المرضية. ومن شخص قابع خلف طاولة مستديرة يبث عليهم أفكاره وخيالاته دون أدنى معرفة بعلوم الطب. أو حتى مشاهدةٍ أو لمسٍ للمريض. ورأسماله قلمه الأزرق ومجموعة من الأوراق وطلاسم ما أنزل الله بها من سلطان. وخُطبٍ رنانةٍ يُنصب فيها الفاعل ويُرفع المفعول به. وعليكم يا سادتي أن تتصوروا عمق الخلفية الثقافية والدينية لهذا الرجل. ثم يقسم أخونا بأنه يشفي السرطان والروماتيزم والصرع والبهاق والسكري وجميع الأمراض المستعصية الأخرى بوصفات شتى منها على سبيل الذكر لا الحصر وضع الحجاب في سطل من الماء والملح تشطف به عتبة البيت أيام الخميس والجمعة قبل العاشرة صباحا من كل أسبوع، وبعدها يصبح السرطان في خبر (كان) ويقسم مولانا أن شفاء السرطان سوف يكون في اليوم التالي ولن يعود أبداً. أقترح على (السيد أبو علي) أن يقوم بإنشاء معهد متخصص لعلاج السرطان يحمل اسمه. وصدقوني أنني سأكون أول المتبرعين والمساهمين وسأسعى بكل جهدٍ أن أدعو أهل الخير كل في المساهمة في بناء ذاك المعهد شريطة أن أرى مريضاً واحداً فقط قد تمّ شفاؤه حقاً بحجاب صاحبنا (أبو علي). وأجزم أن هذا سيكون أفضل عمل للإنسانية والبشرية جمعاء. وهنا حتماً ستكون (جائزة نوبل) للطب والإنسانية معاً من نصيب ذلك الرجل. وأتساءل في نفسي لماذا لا يقوم (صاحبنا) بتحضير حجاب الرزق لنفسه وللسيدة الجالسة بجانبه ولا بأس أن يمرر ذاك الحجاب إلى المصوّر والمنتج والمخرج. أو أن يقوم بتحضير حجاب خاص به يشفيه من زكامه المزمن، ويخلصه من أنفه الأحمر. عهدت ب (شهر زاد) الدهاء والذكاء ولكني لم أعهد بها الكذب والافتراء. نشكركم أيها القائمون على الفضائيات على جهودكم الجبّارة في إفساد العقول والأخلاق العربية. فما قمتم به في فضائياتكم الغنائية لهو بحق مضرب مثلٍ ومفخرة. لكن أن تتجاوزوا الحد باللعب في صحة الناس والمتاجرة فهذه مهزلةٌ ووقاحة ومسخرة!. وختاماً أذكركم بقول سيد الخلق محمد - صلى الله عليه وسلم -: عن ابن عباس - رضي الله عنهما -، قال: كنت خلف النبي - صلى الله عليه وسلم - يوماً، فقال: (يا غُلامُ، إنِّي أُعلمُك كلمات: احفظِ الله يحفظكَ، احفظِ الله تجدهُ تُجاهكَ، إذا سألتَ فاسأَلِ الله، وإذا استعنتَ فاستعن بالله، واعلم أن الأُمَّةَ لو اجتمَعت على أن ينفَعُوكَ بشيء لم ينفعوكَ بشيء إلا قد كتَبَهُ الله لكَ، وإن اجتمعُوا على أن يضُرُّوك بشيء لم يضرُّوك إلا بشيء قد كتَبهُ الله عليك، رُفعتِ الأقلامُ وجفَّتِ الصُّحُفُ). ودعاؤنا دائماً: (اللهم افتح بيننا وبين قومنا بالحق وانت خير الفاتحين).
|
|
|
| |
|