| |
لو كان لي جناحان... يا فاطمة!!
|
|
قرأت مقالة رائعة للكاتبة فاطمة العتيبي في زاويتها نهارات أخرى في 14-10-1427هـ وكانت بعنوان: مغامرة، تقول في بدايتها: (ماذا لو استيقظت هذا الصباح لتجد جناحين ثبتا على جانبيك ماذا أنت فاعل بهما!؟ هل ستحلق بعيداً وتهاجر بحثاً عن الدفء مثل الطيور التي تهرب من الشتاء). سامحك الله يا فاطمة فقد أثرت شجوني فأغمضت عينيّ وأنا أحلم فما شعرت إلا وجناحين صغيرين ينبتان قليلاً قليلاً فوق جسدي حتى إذا ما أصبحا قويين بما يكفي رفرفت بهما سريعاً فحلقا بي إلى عنان السماء! أتدرين يا فاطمة... لو كان لي جناحان؟ لنقلت للعالم الخارجي الذي لا يملك أجنحة.. صورة صادقة عن المعلمة تلك الشمعة التي أوشكت على الانصهار تماماً بين تعاميم لا ترحم.. ومتطلبات لا تنتهي وكم كنت أتمنى لو شاهد من لا يملكون أجنحة كيف تفني هذه المعلمة زهرة شبابها داخل أروقة المدرسة وبين جدران الفصول الأسمنتية فتعلم وتقوم وتوجه وتنفق من مالها الخاص على هدايا الطالبات وتزيين الفصل وإعداد الوسائل.. وتتحمل النقد واللوم وعدم التقدير والشكر.. سواء من مكاتب الإشراف أو الإدارة المدرسية، لتتفاجأ بالنهاية بإجازة أمومة تقلص لأربعين يوماً وكأنها خلال أشهر الحمل التسعة كانت في نزهة برية وليست في عناء وضيق حملته وهناً على وهن ويحتاج جسمها بعده إلى استعادة عافيته وقوته!! وتتفاجأ أيضاً بإجازة اضطرارية تساويها بالرجل، ومن الأمور المضحكة أن الرجال يلتزمون الصمت إزاء هذا القرار وكأن المساواة هنا تروق لهم أو كأنهم لا يدركون أن للمرأة ظروفها الخاصة التي تعتريها بين الحين والآخر... أم تراهم يا فاطمة يدركون!! سؤال يطرح نفسه وسيظل منطرحاً على أعتاب الوزارة دون إجابة، لماذا لا يستأنس برأي المعلمة في مثل هذه القرارات عن طريق عمل استبيان واستطلاع للرأي أم أن الأمر لا يحلو إلا إن كانت المعلمة آخر من يعلم بهذه القرارات المصيرية التي تخص مستقبلها الوظيفي. ولو كان لي جناحان يا فاطمة! لنقلت للعالم الخارجي الصورة المأساوية للمعلمة وهي تتلفع برداء الليل البهيم في الرابعة فجراً مودعة أطفال صغار زغب الحواصل وزوج مسكين تتلاعب به الهواجس خوفاً عليها!! لتندس في سيارة متهالكة تفتقد أبسط مقومات السلامة وتبدأ رحلة سفرها اليومية المرهقة بين مخاوف قلبها ألا ترى أسرتها مرة أخرى وبين أهداب سائق تصارع عيناه النعاس كل لحظة فيوشك أن يصرعه!! فإن قدر الله لها النجاة مرّت السنة على خير لتبدأ فيما بعد السنة الأخرى بنفس المعاناة والتوجس والترقب دون بارقة أمل تومض من بعيد أو حتى دراسات ميدانية جادة تعالج مشكلة السفر اليومي للمعلمات، أما إن قدر الله لها الموت وللموت أسباب فسنجد صورتها في صفحة الحوادث مجندلة على قارعة الطريق بين أوراق تحضير متطايرة وبقايا إفطار متناثرة!! ووزارة التربية والتعليم تلتزم الصمت المريع ولسان حالها يردد: (احن رأسك للعاصفة إلى أن تمر وتختفي الأصوات الحانقة) لكن ليتهم يعلمون أنه سيسألون يوماً عن كل هذه الأرواح الربيئة؟ ولو كان لي جناحان يا فاطمة!! لأمسكت بتلابيب كل طبيب اقترف خطأ طبيا ولم يحاسب عليه ووضعته وحيداً في زنزانة انفرادية مع صور ضحيته لعل ضميره يصحو فلا ينسل من خطيئته انسلال الشعرة من العجين وكذلك الأطباء المخطئون يفعلون! فما أقسى أن ترى الأم صغيرها وهو سجين إعاقته بسبب خطأ طبي وإهمال غير معذور، والأقسى أن من تسبب بذلك لا يقدم حتى اعتذاراً عن خطئه وكأن الأمر لا يعنيه!! ولو كان لي جناحان يا فاطمة!! لصورت بعين الحقيقة الوضع المأساوي لبعض الأسر المحتاجة والفقيرة الذين تمنعهم عزة النفس من سؤال الناس إلحافاً!! ليت الذين لا يملكون أجنحة يعلمون أن هناك أرامل تضيق عليهن الدنيا بما رحبت حين يرين دموع الحاجة تنساب رقراقة حرى في عيون أيتامهن!! وليت الذين لا يملكون أجنحة يتلمسون حاجة المطلقات اللاتي يعشن الحاجة بين سندان المجتمع الذي لا يرحم ومطرقة الطلاق الذي يصبح وصحة عارفي جبينها مهما كانت الأسباب التي دعت إليه!! والسؤال الذي يقذف نفسه بقوة في ساحة الجمعيات الخيرية ووزارة الشؤون الاجتماعية ماذا فعلتم من أجل المطلقة والأرملة وأصحاب الإعاقات والعاجزين؟ وهل المساعدات المادية التي تصرف لهم شهرياً تكفي برأيكم للوفاء بكل متطلباتهم المعيشية دون أن يريقوا ماء وجوههم تحت أقدام من لا يرحم حاجتهم؟ ألا من صنعة وحرفة تصون كرامتهم المهدورة وحتى لا يضطروا إلى طرق الأبواب المغلقة؟ ولو كان لي جناحان يا فاطمة؟ لجمعت الشباب في ساحة عامة.. وتركت لكل منهم حرية التعبير عن رأيه بصراحة... وليستمع إليهم الآخرون.. كم هم بحاجة إلى أن تستمعوا لهم.. دعوهم يتنفسون.. يتحدثون.. يحكون معاناتهم.. يعبرون عن وجهات نظرهم.. ينثرون بين أيدينا نزف مشاعرهم.. يحكون ألم معاناتهم.. يبوحون بأسرارهم التي لا يريد المجتمع سماعها.. يخبرونا بصدق عن الأمور التي خذلهم فيها من حولهم.. يسردون لنا حكاية الغضب المدفون في أعماقهم.. من غزل خيوطه.. ومن يمد يده لهم الآن لينكث هذه الخيوط التي توشك على قتلهم بلا شفقة! من أمسك بأيديهم ذات مساء ليذهب بهم إلى نزهة خلوية حالمة.. وحين زمجرت الرياح بقوة اكتشفوا أنهم يقفون وحيدين فوق سفح جبل توشك أحجاره المتحركة تحت أقدامهم أن ترمي بهم إلى هاوية واديه السحيق!! ليت الآخرين الذين يصمون آذانهم عن سماع شباب أمتنا.. يعلمون أنهم إنما يدفنون جمرات مشتعلة تحت رماد الجهل وعدم الإنصات ظناً منهم، وبعض الظن إثم، أن تلك هي الطريقة الأفضل لمعالجة الوضع!! وليتهم يعلمون يا فاطمة أن البراكين تظل خامدة تحت الرماد لمئات السنين حتى إذا ما انفجرت لم يعد يطفئ أنهارها المحرقة باقات الزهور التي تنثر بين أمواجها المدمرة!! ولو كان لي جناحان يا فاطمة!! لهمست لتلك الطيور المهاجرة التي حلقت بعيداً عن الديار بحثاً عن دفء يحميها من صقيع الشتاء (أن عودوا... فعشق الوطن حين يسكن النفس فإنه حتماً سيمنح أجنحتكم المرتجفة الكثير من الدفء والأمان والكثير الكثير من الأمل..!).
سلوى حسن العضيدان محافظة الغاط
|
|
|
| |
|