كثر الحديث وتمدد حول المناهج المدرسية، وانقسم المفكرون ما بين رافضٍ للتجديد وبين مطالب بالتغيير!! على الرغم أن بعضهم متفقون على أن المناهج الدراسية في التعليم العام بمقدورها تخريج طالب مسلم متمسك بعقيدته منتمٍ لوطنه مزودٍ بالمهارات والخبرات والمعارف، قادرٍ على التفاعل الإيجابي مع احتياجات العصر ومتطلباته.
وحقيقة فهذه المناهج - ولو كانت متكاملة ومناسبة - فإنها لا تستطيع لوحدها القيام بهذا الدور الريادي ما لم يكن هناك مهندس يديرها ويبسطها ويوصلها إلى الطالب! بمعنى أن هذه المناهج كأنها موجهة للمعلم الذي بدوره يسهّل وصولها إلى الطالب، وهنا يكمن الخلل أي أن تطوير المناهج لابد أن يتماشى معه ويسايره تطوير المعلم، الذي اعتاد على منهجٍ يكرره ويكرر نفسه معه!
ولعلي أورد طرفة حقيقية في هذا المجال، حيث رفضت المعلمة (زينب) معلمة الصف الثاني (ب) طيلة عشرين عاماً تغيير مسمى فصلها لثاني (أ) لأنها (اعتادت) أن تكتب (ثاني ب) في كل ما يخصها كميدالية المفاتيح والمسطرة الطويلة، وتكاد تعلق في جيدها (رشرشاً) مكتوباً عليه (ثاني ب)، وقد عانت إدارة المدرسة الأمرَّين من تغيير المعلمة لفصلها، لدرجة أن بكت (أبلا زينب) وقالت: (يا ناس ما أعرف أدرِّس إلا ثاني ب وإلا أضيع!!) فكيف ننادي ببيئة دراسية إيجابية مبنية على معايير علمية وتقنية حديثة في ظل عدم وجود تطوير مهني للعاملين في مهنة التدريس؟! وحين نتحدث عن إصلاح مناهج التعليم، فإن المطالبة بإصلاح المعلم أولى وأجدى!! فقط إصلاحه بعبارة واحدة (كن مربياً أميناً) باعتبار أن لديه مائة طالب، أو مائة ابن، بل مائة كبد.
إن الأمانة المطلوب من المعلم تحملها تكمن في توصيل المعلومات المفيدة من هذه المناهج بل والحرص على تقديمها بالطريقة السليمة والأسلوب الصحيح، وبالتالي مكافأة المجتهد وتوجيه المقصر، ومعاقبة المعتدي، ورد الحق لأهله، فهذا يجعل شبابنا لا يكسِّرون ولا يفحطون بل ولا يسهرون، فهم في النهار يسعون في معاشهم ومصالحهم، وفي الليل يحسبون مغانمهم ومكاسبهم، ولا ينسون حقوق خالقهم!!
إنَّ تنويع الخبرات وتفعيل المناهج الحالية بما يتواءم مع متطلبات العصر أصبح ضرورة وليس ترفاً وكماليات تعليمية، ولئن تأخرت وزارة التربية والتعليم عن القيام بدورها المناط بها وذلك بعجزها أو تهاونها عن تأهيل المعلمين والمعلمات، فإنها لابد وأن تستيقظ وتنهض للقيام بهذا الدور المتمثل بتزويد الطلبة والطالبات بالمهارات والمعارف والخبرات الخاصة بهم لاضطلاع الشباب في النهوض بالوطن وقيام الفتيات بالدور الأسري والمشاركة في بناء الأمة.
كما ينبغي توجيه مناهج الوزارة عملياً وليس نظرياً وذلك بربط المنهج بالمجتمع من حيث تربية الروح الوطنية (فعلياً) وليس بالشعارات! وليكن حب العمل رمزاً لبناء الوطن دون تصنيف لهذا العمل مع الاحترام التام للحرفة والمهنة كونها أخذاً وعطاءً كما تقع على المناهج مسؤولية تربية أبنائنا الطلبة نبذ الإقليمية والقبائلية والمناطقية، حيث إنها معول هدم للبناء وباعث على إثارة الشحناء!
نريد من مناهجنا، كما عهدناها، أن تكون (عسلاً) يشربها السقيم فيشفى ويتناولها السليم فيقوى.
نريدها عسلاً كعقيدتنا المبرّأة من كل شوائب الشرك، وشريعتنا المطهرة من كل كدر الانحراف، ووطنيتنا الممتدة حتى أقصى صحارى الربع الخالي وأعمق من بحار الخليج والبحر الأحمر.
نريدها عسلاً مصفى.. وهل هناك ما هو أحلى من العسل وألذ وأشهى؟!!
أجمل ما قرأت: