| |
استرعى انتباهي معاوية.. ونحن.. والقوى الدولية د. عبد الله بن ناصر الحمود
|
|
(إني لا أضع سيفي حيث يكفيني سوطي، ولا أضع سوطي حيث يكفيني لساني, ولو أن بيني وبين الناس شعرة ما انقطعت, كانوا إذا مدوها أرخيتها, وإذا أرخوها مددتها).. هكذا كان يقول معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه.. أمير المؤمنين وخال المؤمنين.. وأحد أهم وأشهر الخلفاء في الإسلام، ليبين للناس رؤيته.. أثناء خلافته.. لإدارة أمور العباد والبلاد. كان خصوم معاوية يرخون الشعرة حينا.. ويشدونها حينا آخر.. ومن هنا كانت سنّة معاوية أن (يرخي) و(يشُد) بحسب الحال.. ووفقا لمقتضيات المصلحة.. فتقوم بذلك علاقة متبادلة تتسم بالندية والتناوب في إدارة دفة الأمور.. وبسط شيء من الهيمنة المؤقتة أحيانا والتنازل عنها أحيانا أخرى لمن شد من حوله الشعرة.. بانتظار جولة جديدة يعيد فيها كرَّته فيشد الشعرة حيث قد أرخاها الآخرون. وهكذا.. تكون متعة القيادة والسيادة.. وتكون لذة المناورة في معترك العلاقات الدولية.. لدولة بلغت الآفاق.. وسُجِّلت قوة عظمى في عصرها. ما أجمل هذه المعادلة السيادية في زمن معاوية.. إنها معادلة عادلة.. تمنح فرصا متساوية للبذل والعطاء والسيادة، فيعيش الناس في رفعة وترقب حميدين. لكن معاوية.. بالتأكيد.. لم يكن يعيش زماننا الذي انقلبت فيه موازين السيادة الدولية وقواعد لعبتها.. والذي (يشُدّ) فيه خصومنا الشعرة دوما دون إرخاء.. مهما طال الزمن.. بل لم يكن معاوية، رضي الله عنه، يواجه منظمات دولية كبرى قامت وتقوم على سياسة الشد الأبدي للشعرة.. ومن هنا، ما الذي عساه أن يفعل من حاول منّا أن يتمثل منهجية معاوية في الشد والإرخاء.. وأن يقيم علاقاته الدولية والسيادية على أساسها؟.. أظن أن الشعرات المشدودة حاليا في مراكز القوى الدولية العظمى.. وفي منظمة الأمم المتحدة.. ليس لها مآل سوى إحدى حالتين: الأولى، أن تنقطع تلك الشعرة.. وها هي انقطعت.. فعلا.. فيما بين تلك القوى وكل من أفغانستان، والصومال، والعراق، وفلسطين.. فحلّ الدمار وتقطعت الأسباب. وهي تكاد تنقطع أو أنها في حكم المنقطعة.. بين تلك القوى وكل من الصين وكوريا الشمالية، وإيران، وسوريا، ولبنان، والسودان.. وهي مشدودة بشكل مقلق.. بين تلك القوى ومعظم ما بقي من دول العالم العربي.. بالقدر الذي لم يعد لهؤلاء العرب من خيار سوى (القطيعة) أو اللحاق بمركز (الشد) حتى لا تنقطع الشعرة.. لكن ملاحقة القوة الجاذبة في الشعرة المعاصرة أمر خطير.. لن ينتهي إلا على أبواب (واشنطن) و(لندن) و(تل أبيب). وهي محطات وصول غير مرغوبة لكثير من القوى الرسمية والشعبية في المناطق التي تجري المناورة معها بالشد الأبدي للشعرة.. ومن هنا، فالقطيعة مرتقبة مع تلك العواصم.. أكثر من ترقُّب الوِصال.. لأن الشعرة لا بد لها وفق معطيات الوضع الراهن من أن تنقطع.. وعندما تتقطع كل شعرات القوى الدولية معنا (كلنا)، فسيحل بنا ويحل بهم ما نعلم ويعلمون.. مما نرى حولنا ويرون هم عندنا.. إن المصيبة أننا أرخينا ونرخي كثيرا.. لكنهم يشدون.. ويبقون يشدون.. فهل سقطت نظرية معاوية في العلاقات الدولية؟ أم أنّ (متغيرات) العلاقات الإنسانية هي التي تغيرت؟ علينا أن نتعلّم من جديد (كيف) كان معاوية رضي الله عنه.. يجد الشعرة (مرتخية).. في حين أننا فشلنا في ذلك.
نائب رئيس مجلس إدارة الجمعية السعودية للإعلام والاتصال alhumoodmail@yahoo. com
|
|
|
| |
|