| |
عندما يبكي الرجال نادر بن سالم الكلباني
|
|
في الماضي، كانت الثقافة السائدة آنذاك تؤكد على ألا يذرف الرجال دمعة مهما تكالبت عليهم الظروف أو ضاقت بهم الحال وكبر حجم الألم والمعاناة، ونشأت أجيال على هذا، وسارت بهمومها وآلامها دون أن تذرف دمعة حتى وإن رغبت الدموع بالثورة والهروب من المآقي، فأصبح هذا عنواناً للرجال الأشداء الذين يحملون جراحهم ومعاناتهم، ويسيرون في حياتهم وهم يجاهدونها بما يستطيعون دون أن يشتكوا أو يذرفوا الدموع وإن خلوا مع أنفسهم، حتى إذا وصلت الأمور إلى حد أن يذرف الرجل دمعته علماً أنها وصلت إلى ما لا يحتمله إنسان. اليوم قد يبكي الرجل من فراق حبيبة علمت بمكانتها في نفسه وأحبَّت أن تتغالى عليه، أو قد يبكي الرجال إذا هُزم فريقهم المفضل في مباراة قد تُنسى في اليوم التالي، وقد يبكي الرجال لأنهم حُرموا من ميزة في أعمالهم، أو فاتتهم ترقية فيه أو غلبهم أحد الذين فازوا بالحظوة والمساندة، أو قد يبكي رجال زماننا للوصول لغاياتهم دون تكليف أنفسهم عناء السعي الجاد، أو ليقولوا رياءً عن ولائهم وإخلاصهم لهذا الأمر أو ذاك، وما أكبر الفرق بين رجال يومنا ورجال أمسنا. البكاء ليس للنساء فقط هذا أمر نتفق عليه، فالمشاعر واحدة وإن تفاوتت في حدتها وفيما يضبطها بين الرجل والمرأة، فقد يُوضع الرجل في موقف عظيم يُقهر فيه وتقف حدود قدرته عنده فيبكي، أو يحل به من أمور الدنيا التي نسأل الله أن يعيننا عليها ما يفرض عليه البكاء، لكنني أستغرب أن يصبح الرجل بكّاءً في أقل المواقف وأسهلها، وأن تصل الحال في نفوس بعض الرجال إلى حدّ أن يمتهنوا البكاء ليجعلوه مطيتهم ووسيلتهم الأكثر فعالية لكسب التعاطف للوصول لغاياتهم.. والله المستعان.
|
|
|
| |
|