| |
تعقيب على مقال منحة دراسية
|
|
سعادة رئيس تحرير جريدة الجزيرة الأستاذ خالد بن حمد المالك سلّمه الله سلام عليكم ورحمة الله وبركاته،،، وبعد فقد اطلعت على مقال بعنوان (منحة دراسية) بقلم الأستاذ محمد بن عبداللطيف آل الشيخ منشور في صحيفتكم الجزيرة عدد يوم الأحد الموافق 19-11-1427هـ، ولقد ألفيت الكاتب ينسى أو يتناسى موضوعاً سابقاً له كتبه وقرر فيه أن الإسلام خالٍ من الحضارة العلمية، ثم يأتي بعد ذلك في هذا المقال ليرد على نفسه بما نقل من قصة المنحة المشهورة زمن الخليفة الأندلسي هشام الثالث - رحمه الله -، حيث قال جورج الثاني: (فقد سمعنا عن الرقي العظيم الذي تتمتع بفيضه الضافي معاهد العلم والصناعات في بلادكم العامرة)، فسبحان الله العظيم جورج الثاني يقر بأن الإسلام والمسلمين لديهم حضارة عظيمة، والكاتب ينكر ذلك في مقاله السابق؟!! وعلى كل حال لي مع مقاله (منحة دراسية) عدة نقاط هي كالتالي: أولاً: قال الكاتب: (ولو عُرضت هذه الرسالة على أحد المتدينين المتزمتين اليوم، ثم وجد قول الخليفة: (مودتنا لشخصكم الملكي)، وقوله: (وفيها الدليل الكافي على التفاتتنا ومحبتنا)، لحكم أنها (لغة) تتجاوز معايير (الولاء والبراء)، حيث لا يجوز إبداء (المحبة) لغير المسلمين، فلهم منا الكراهية والبغضاء والغلظة والتشدد والتجهم ولخطَّأ الخليفة الأندلسي، وربما اعتبره عاصياً)؟!! وأقول: عقيدة الولاء والبراء لها مقامها الرفيع في الإسلام، بل هي من أصول الإسلام، فعن البراء بن عازب - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (أوثق عرى الإيمان الحب في الله والبغض في الله)، بل قد نطق الله تعالى بذلك قال سبحانه: {لَا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءهُمْ أَوْ أَبْنَاءهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُوْلَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمَانَ وَأَيَّدَهُم بِرُوحٍ مِّنْهُ وَيُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ أُوْلَئِكَ حِزْبُ اللَّهِ أَلَا إِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} «22» سورة المجادلة، والذي يظهر لي أن الكاتب لم يتصور هذه العقيدة ولم يفهم مقتضاها، فليس من لازم البراءة من الشرك وأهله (البغضاء والغلظة والتشدد والتجهم) كما زعم الكاتب، لكن المقصود عدم محبة الشرك وعدم الرضا به وعدم نصرة أهله وكذا الهجرة من المكان الذي فيه، أما المحبة الجبلية (الفطرية) كمحبة الولد لوالده الكافر ومحبة المسلم لزوجته الكتابية وغير ذلك فلا إشكال فيها، وقد قال تعالى: {لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ أَن تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ} «8» سورة الممتحنة، وهذا أمر مقرر معروف ولله الحمد والمنّة حتى عند أطفالنا الصغار، بل هو عين ما يدرسه أطفالنا في الصف الثالث الابتدائي في مقرر التوحيد والفقه ص: 13 (بيان أن بغض الشرك وأهله لا يعني ظلمهم والتعدي عليهم وإنما يُحسِنُ التعاملَ معهم) ودليل ذلك من كتاب الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُونُواْ قَوَّامِينَ لِلّهِ شُهَدَاء بِالْقِسْطِ وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلاَّ تَعْدِلُواْ اعْدِلُواْ هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى} «8» سورة المائدة فكان الواجب عليك الرجوع إلى أهل العلم الراسخين لتتعلم منهم هذه المسألة المهمة التي هي من صميم العقيدة. ثانياً: قال الكاتب: (وهذه (الرسالة) الدبلوماسية تحكي - أيضاً - جزءاً من تراثنا (الدبلوماسي) المغيَّب عن الخطاب السلفي المعاصر، والذي يحرص المستفيدون من الوضع (المتأزم) مع الآخر على تغييبه). وأقول: لعلها مغيبة عنك فقط؟ وإلا فالمهتمون بالثقافة الإسلامية والحضارة التي نشأت على أثرها يعرفون هذا الأمر تماماً ويعرفون غيرها الكثير، بل وفي صدر الإسلام من الأمثلة الكثيرة التي تربو على الحصر ما يدل على ذلك، واقرأْ إن شئت كتاب (الدبلوماسية والمراسم الإسلامية دراسة مقارنة مع التشريفات الغربية) لصاحب السمو الملكي الأمير الدكتور فيصل بن مشعل بن سعود بن عبدالعزيز نائب أمير منطقة القصيم فهو كتاب غني وقيِّم في هذا الباب. ثالثاً: قال الكاتب: (وثقافة (التزمت) في الخطاب الإسلامي جرى عن قصد وتعمد إبرازها ودفعها إلى السطح، وفي المقابل إلغاء كل ما عداها من الخطابات المتسامحة والمتزنة والوسطية والبعيدة عن الدم والذبح والعنف). وأقول: الخطاب الرسمي الديني في بلادنا المباركة - ولله الحمد والمنّة - يتسم بالتسامح والوسطية، وبعيد كل البعد عما ذكرت فلماذا التعميم؟!! ثم إن القراء الكرام وغيرهم من الناس - ولله الحمد - يمجون كل ثقافة تتسم بالتزمت سواءً كان ذلك التزمت وذلك التطرف صادراً من رجل دين أو كان صادراً من كاتب في جريدة يقول للقراء {مَا أُرِيكُمْ إِلَّا مَا أَرَى وَمَا أَهْدِيكُمْ إِلَّا سَبِيلَ الرَّشَادِ} «29» سورة غافر. رابعاً: قال الكاتب: (والذي يجب أن نعرفه، ونتأكد منه ونعيه تماماً، أننا مهما أنجزنا من منجزات في مكافحة الإرهاب على المستوى العملياتي الأمني، فلن نصل إلى الحل.. الحل يكمن في أن نكون أكثر جرأةً وحزماً وشجاعةً في (مواجهة) ثقافة (التطرف) التي (تفرخ) هذا الفكر، وتسوِّق للتزمت الذي هو أسُّ (التكفير)، حتى وإن كانت هذه المواجهة (مؤلمة) أو مُحرجة). وأقول: الحل هو الرجوع إلى مصادر الدين الأصلية الكتاب والسنَّة على فهم ومنهج سلف الأمة من الصحابة والتابعين والتمسك بذلك، والرجوع دوماً وأبداً إلى العلماء الراسخين في العلم والصدور عن رأيهم، ففي ذلك النجاة بإذن الله تعالى من التطرف والغلو بأنواعه، في الحديث قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (افترقت اليهود على إحدى وسبعين فرقة، وافترقت النصارى على اثنتين وسبعين فرقة، وستفترق هذه الأمة على ثلاث وسبعين فرقة، كلها في النار إلا واحدة. قيل: مَنْ هم يا رسول الله: قال: مَنْ كان على مثل ما أنا عليه اليوم وأصحابي). أسأل الله تعالى أن يرزقنا العلم النافع والعمل الصالح، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
د. هشام بن عبدالملك بن عبدالله آل الشيخ عضو هيئة التدريس بالمعهد العالي للقضاء جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
|
|
|
| |
|