| |
ما المانع أن يعود المشرف التربوي مدرساً؟!
|
|
لقد تابعت كغيري بعض الطرح في (الجزيرة) الذي واكب تحويل بعض المشرفين التربويين إلى مدرسين، ورأيت أن بعض الكتابات في هذا الموضوع شرقت وغربت كثيراً، ولا سيما من بعض المشرفين الذين تصوروا أن هذه الوظيفة أزلية لهم، وأن في تحويلهم مدرسين إهانة لهم وكسراً لكبريائهم المعنوية؛ لذا ارتأيت أن أدلي برأيي في هذا الشأن لثلاثة أمور، هي: أولاً: بصفتي أحد العاملين في الميدان التربوي، وثانياً: لأني أحد أولياء الأمور الذين أبناؤهم في المدارس التي يشرف عليها - للأسف - بعض المشرفين الذين يرون أن في إعادتهم إلى التدريس عيباً أو تقليلاً من قيمتهم؛ لأنهم يرون أن الإشراف التربوي مهنة لا تنقطع عنهم. وثالثاً: بحكم دراستي أحد التخصصات التربوية في مجال الدراسات العليا، وبناءً عليه أقول: أعتقد أن وضع الإشراف التربوي الحالي لا يخدم العملية التعليمية التربوية كثيراً؛ لأن المشرف يدخل على المعلم في الفصل، ثم يسأل عن كشوف المتابعة وكراسة التحضير وطريقته، وكراسات الواجبات الخاصة بالطلاب، وطريقة تدريس المعلم، والوسائل (التقنيات) التعليمية المستخدمة في ذلك، إضافة إلى مراعاة الفروق الفردية - حتى لو كان الفصل يتجاوز الخمسين طالباً -، والتحصيل العلمي للطلاب، وانضباط المعلم في كل النواحي وعلاقاته، وغيرها من الأمور الخاصة ببطاقة التقويم الخاصة بالمعلم. بعد ذلك يدوّن المشرف ما رأت عيناه من ملاحظات، وفي بعض الأحيان يحدث المعلم بها، ثم يولي دبره دون أن يسهم عملياً في علاج هذه الملحوظات. ولا شك أن كتابة الملحوظات في بطاقة تقويم المعلم دون الإسهام في علاج أوجه القصور وتعزيز أوجه القوة، لا تعدّ إشرافاً، وكل ما سبق يمكن أن يقوم به المدير أو الوكيل في المدرسة، ولا يحتاج إلى مشرف تربوي. ولقد حاولت الوزارة جاهدة أن تطور الإشراف التربوي، كما أن المشرف ينقل ما رآه عند معلم ما إلى معلم آخر، وهذا يمكن نقله للمعلمين بواسطة نشرات دورية أو بعض الدورات التدريبية، أو عبر أقراص الحاسب الآلي. ان أغلب المشرفين - للأسف - يرى أن في إعادته إلى الفصل هدراً لكرامته وقتلاً لكبريائه وخدشاً لمكانته؛ ولذا تجده مستعداً لتقديم أي تنازل شريطة ألا يعود إلى الفصل. ولعمري إن تلك النظرة والحال مزرية لصاحبها ومبينة لقبح استمرار هذه النوعية في مكانها. وقد تبيّن لي أن عدداً من المشرفين الذين يمضون وقتاً طويلاً في الإشراف يفقدون معارفهم ومهاراتهم؛ مما يجعل الفائدة منهم قليلة جداً، ويدل على ذلك منعهم من الإيفاد للتدريس في الخارج - بعد أن كانوا يحظون بنصيب الأسد - وما منعهم إلا دليل على ضعف مستواهم العلمي والمهني والتربوي. لذا أرى ضرورة أن يسند إلى المشرفين تدريس بعض الحصص في المراحل الدراسية المختلفة؛ حتى لا تنقطع صلتهم بالتدريس، ولا بد أن يعامل المشرف أثناء ذلك معاملة المعلم من حيث حضور الطابور الصباحي والتحضير لدروسه، وتصحيح الاختبارات والواجبات المدرسية، وزيارة المدير والمشرف التربوي له وتقويمه، وألا يجامل في ذلك كله. ثم إن بعض المشرفين يختار للإشراف التربوي وهو لم يمض في التدريس أكثر من خمس سنوات، وهذه مدة قصيرة جداً لا تخول للمعلم أن يكون مشرفاً على معلمين تجاوزت خدمتهم العقد والعقدين والثلاثة، بل إن هذه المدة - من وجهة نظري - لا تكفي لحصول المعلم على المهارات الكافية في التعامل مع الشؤون التربوية والتعليمية كطرق التدريس ومشاكل الطلاب والمعلمين ونحوها من المهارات التربوية والتعليمية. وينبغي أن تكون هناك معايير صادقة تحدد استمرار بقاء المشرفين في مواقعهم مثل أن يكون علمه في مجال تخصصه وعلمه المهني والتربوي، ويعرف ذلك، مع معرفة آراء المدير في المشرفين، وملاحظة إنتاجية المشرف وتشمل بحوثه والدورات والندوات والمؤتمرات التي حضرها أو شارك فيها خلال العام. وأخيراً أرى ألا يكون الإشراف حكراً على أشخاص معينين يمضون فيه بقية حياتهم العملية، دون أن يعاد تقويمهم، خصوصاً أن مجال العلوم التربوية والتعليمية يتطور بشكل سريع ومثير؛ مما يحتم على المشرف أن يكون ملماً على الأقل بأساسيات هذا الجديد من العلم.
محمد بن براك بن عيد اليحيا ثانوية عثمان بن عفان بالعاصمة المقدسة
|
|
|
| |
|