| |
كن ذاتك الذي تريد محمد بن شديد البشري / تعليم الرياض
|
|
يتميز الإنسان عن غيره من الكائنات الحية الأخرى بصفات عدة لعل من أبرزها قدرته على التواصل مع ذاته وسبر أغوارها ومحاورتها ولومها أو شكرها، ولكن مع هذا كله فإن محادثة الذات والوقوف أمام مرآة النفس ليس بالأمر الهيّن ومن الصعب أن يتقنه إلا من وهبه الله قدرة على الغوص بموضوعية وثقة بين جوانب هذه النفس التي قد تكون مطمئنة تارة ولوامة تارة وأمارة بالسوء تارة أخرى. ومن هنا فإن الكثيرين يجدون صعوبة ومشقة في إتقان هذه المهارة التواصلية مع ذواتهم ولكن دعنا نجرب معك... هيا تعال وخذ ورقة وعنونها بسؤال كبير هو (من أنا) ثم اكتب في أول سطر منها كلمة (أنا) وحاول أن تجيب في بداية كل سطر على السؤال الكبير (من أنا) بإجابة مفيدة تصف فيها ذاتك وحاول بجد أن تكون موضوعياً غير متحيز واكتب صفاتك الإيجابية وصفاتك السلبية ثم خذ ورقة أخرى واقسمها عمودياً إلى قسمين متساويين وعنون أحد العمودين ب(نقاط القوة) وعنون الثاني ب(نقاط الضعف) ثم املأ كل قسم بأسرع ما يمكن. وبعد أن تقوم بما سبق خذ ورقة ثالثة وعنونها ب(كيف أحسن ذاتي؟) وضع في أول كل سطر جملة (أريد أن أحسن ذاتي) ثم أكمل واكتب ما تستطيع من سلوكيات تريد تحسينها في نفسك. إن كل ما سبق مجرد مثال والمهم أن تبدأ من اليوم حواراً أميناً وشجاعاً مع ذاتك وأن تكون تواقاً إلى التغيير نحو الأفضل.. إن الأمر ليس بالهيّن كما أسلفت، ولكنه في الوقت ذاته ليس بالأمر الصعب؛ لأنه يحتاج إلى دربة ومران فكم هي مرة في الحقيقة مواجهة الذات، خصوصاً عندما نجد ما لا يسرنا، وما لا يدغدغ مشاعر الزهو والإعجاب في ذواتنا، فمن لديه قدرة واستعداد أن يعترف أمام ذاته بأنه بخيل أو لئيم أو حسود أو أناني، أو يكره الآخرين، أو يحتقرهم، ومن سيعترف لذاته أنه أخرق، أو يفتقر إلى التخطيط لحياته وحياة أبنائه، بل ومن منا يستطيع أن يكتشف من خلال حواره مع ذاته أنه يعاني من شعور بالنقص فيمارس إسقاط أخطائه وقصوره على الآخرين، ثم هل منا من يستطيع مواجهة آليات الدفاع عن ذاته التي يخدع فيها نفسه مثل الكبت، والإنكار، والإزاحة، والتبرير. ويتبادر سؤال مهم ألا وهو لماذا ينبغي أن يعرف المرء ذاته؟ ولماذا يحرج ذاته باكتشاف ذاته؟ ألا يكفي أن يواصل الإنسان حياته ويحقق أهدافه دون أن يضيف إلى مهامه مهمة عسيرة وهي التنقيب في أعماق ذاته؟، ثم ألا يكفي أن يعرف ذاته معرفة سطحية؟ نعم ممكن هذا كله، ولكن حياة من هذا شأنهم ستكون حياة سطحية يغمرها الجهل والزيف والخداع، وسيظل في تواصله مع الآخرين يتخبط خبط العشواء، وسيجهل أو يتجاهل تصرفاته وسيعيش حياته غريباً على ذاته، فلا يعرف دوافعه، ولا يكتشف إمكانياته، ولا يحلل سبب قلقه، ولا يفسر مشاعره وردات أفعاله. إن معرفة الذات تلعب دوراً حيوياً في تواصل الإنسان مع غيره، انظر على سبيل المثال إلى شخص لا يعي أنه يقاطع الآخرين في أثناء كلامهم، أو لا يعي أن صوته مرتفع أكثر مما ينبغي، أو أنه يملك نزعة تسلطية على من حوله، إن مثل هذا لن يعرف السبب وراء عزوف الناس عن الانخراط معه في عمليات تواصلية، كما أن الذي لا يعي أنه يحاول تأكيد ذاته بأي ثمن لن يعرف سبب تضايق الناس منه ونفورهم عنه. وكلما زاد جهل الإنسان بدوافعه وانفعالاته ومشكلاته النفسية أصبح دور الذات في التواصل مهملاً، وبالتالي تفسد أو تضطرب علاقته مع الآخرين. من هنا نستطيع القول إنه ليس الهدف من معرفة الذات مجرد هدف نظري خالص وإنما المقصود أن تتحول هذه المعرفة إلى قوة لتغيير المرء لنفسه في الجوانب التي يعتقد أنها سلبية. إن مجرد المعرفة فقط دون التغيير قد يزيد من إحساسات العجز والسلبية بل تجعل الإنسان يغوص أكثر فأكثر في لجة اليأس والقنوط، ولكن يمكن القول إنه إذا تزامن مع هذه المعرفة إرادة قوية للاستفادة من المعرفة للتغيير عند ذلك ينبثق الأمل من قلب اليأس، وتشرق البسمة على شفاه الدمعة وتنفجر القوة من مكامن الضعف. فما أحرانا أن نعود إلى ذواتنا ونتصارع معها ونتكاشف لكي نسبر غورها ونؤطرها على الحق والخير أطراً ونستثمر نوازع الخير فيها ونفجر طاقاتنا ونحاكمها ونقومها تقويماً مستمراً يضمن لنا عيشاً سعيداً لأننا لن نكتشف الآخرين ونتعامل معهم بشفافية ووضوح ما دمنا نتعامل مع ذواتنا بغموض وغش. أيها المربون وأيتها المربيات أنتم أولى وأحرى بأن تتكاشفوا مع ذواتكم قدوات صالحة لمن حولكم. غوصوا بالله عليكم في أعماق دواخلكم ورتبوا مكنونات ذواتكم، وصنفوها، وتعاملوا معها بصدق وموضوعية ولا تخدعوا أنفسكم ولا تظنوا أنكم إن خدعتموها بأنكم ستفعلون هذا مع المحيطين بكم ورحم الله امرأ عرف قدر نفسه.
ص.ب : 100165 الرياض 11635
albashri@yahoo.com |
|
|
| |
|