| |
أنت المؤسسات الحكومية المؤثرة في الحراك الاجتماعي: هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر م. عبدالمحسن بن عبدالله الماضي
|
|
1وإن نافستها في الاسم هيئة سوق المال فما عليك إلا أن تقول: (الهيئة).. ليعرف من تتحدث إليه أنك تقصد هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.. ذلك لأنها كانت أول هيئة أسست في المملكة لتؤدي دوراً بارزاً في ترسيخ تقاليد المجتمع الإسلامي في نفس الكبير والصغير والمواطن والمقيم. قامت الهيئة على مدار القرن الماضي بدورها المهم.. ولكن شأنها في ذلك شأن الهيئات والمؤسسات الدينية والإنسانية.. وظفت بعض الذين استغرقتهم الوسيلة فضيعوا الغاية النبيلة.. وأصبح سوق الناس بعصا وسجنهم لتلكؤهم في أداء الصلوات.. ومداهمة محلات الحلاقة ومحلات الخياطة النسائية.. ومصادرة المجلات وكتالوجات التصاميم لاحتوائها على صور نسائية غاية في حد ذاتها.. وهو نوع من الدوران على المبدأ الميكيافيلي في تبرير الوسيلة القاسية بالغاية النبيلة.. ولكنني ما زلت مصراً على أن هذا السلوك سلوك فردي لا يعبر عن الهيئة ولكنه يعبر عن مزاج شخصي ورؤية فردية لمن وجد نفسه موظفاً أو متطوعاً يؤدي واجبات وظيفته أو ما تطوع للقيام به وفق ما ظنه الحق. إن جلسات السمر ومنتديات المثقفين لا تخلو دائماً من الحديث عن الهيئة وكأنها هبطت بمبادئها علينا من كوكب آخر.. رغم أنها هيئتنا وعلينا أن نشارك في تطويرها ودعمها بما يناسبنا ويناسب العصر الذي نعيشه.. لا أن نجلس في تلك المنتديات نتندر بمواقف بعض الوعاظ وتعميم تلك المواقف على أنها مبادئ الهيئة.. فالأمر ينطوي على ظلم عظيم. جلست مع أصدقاء.. عددوا تلك التصرفات التي مارسها موظفو ومتطوعو الهيئة على مدار السنوات الماضية.. وتندروا بقيام الهيئة بقص شعر الشباب عنوة في الشوارع في السبعينيات الميلادية إبان انتشار موضة الخنافس.. وتندروا بمداهمتهم للبيوت في الثمانينيات لمجرد الاشتباه في تعاطي قاطنيها للخمور.. وتندروا بمطاردة رجال الهيئة لبائعي الدشوش ومقتنيها في التسعينيات.. ومنع المقاهي والمطاعم من استقبال الفضائيات.. وتندروا بمداهمة رجال الهيئة لمحلات الأواني المنزلية وتكسير الكؤوس الزجاجية التي تشبه كؤوس الخمر.. وتندروا بمنع رجال الهيئة عامة الناس من شراء وبيع الورود والملابس الحمراء في شهر فبراير من كل عام منعاً لما ظنوا أنه احتفال ببدعة عيد الحب.. كما تذكروا وقوف رجال الهيئة في وجه رجال الإنقاذ والدفاع المدني ومنعهم من دخول مدرسة الهنداوية للبنات بمكة المكرمة لإطفاء الحريق وإنقاذ البنات.. ورغم أن الأمثلة الصارخة التي سبقت في هذا الصدد كانت أمثلة فردية لا تعبر عن فكر الهيئة ومبادئها إلا أنها أصبحت بحد ذاتها أمثلة تضرب للنيل حيناً من الهيئة والنيل أحياناً من الإسلام نفسه. التعميم إحدى الآفات التي تصيب الإنسان.. ورغم علمنا أنه لا يجوز ولا يصح لأحد أن يقول: إن الألمان نازيون لأن منهم هتلر.. ولا أن يقول: إن الإيطاليين لصوص لأن منهم آل كابوني.. ولا أن يقول: إن العرب إرهابيون لأن منهم أسامة بن لادن.. ولا أن يقول: إن الهيئة قمعية لأن منها من يتجاوز حدوده.. إلا أن الفرد العادي الذي يكون بمجموعه الرأي العام ميالا إلى قول ذلك. علينا أن نعترف أن الهيئة أصبحت هدفاً للهجوم من الداخل ومن الخارج.. حيناً بحسن نية وأحياناً بسوء نية.. وأننا كأفراد ومؤسسات ومجتمع نعد هدفاً نهائياً لهذا الهجوم.. ومن ثم علينا أن نضع القواعد والضوابط التي يجب أن يلتزم بها رجال الهيئة للوصول إلى الغاية النبيلة التي من أجلها قامت الهيئة حتى نفوّت الفرصة على كل معتدٍ أثيم يريد النيل منا ومن مجتمعنا وديننا.. علينا أن نعي أن الهيئة يمكن أن تكون أحد المكاسب العظيمة التي تحققت لمجتمعنا العربي السعودي.. وأن مسؤولية حمايتها وتطويرها ودعمها تقع على عواتقنا جميعاً.. لكن كيف يتم ذلك؟ في رأيي.. والرأي محفوظ للجميع ومطروح للحوار.. أنه لا بد من تعديل الأخطاء الإستراتيجية التي حادت بالهيئة من هدفها المفترض منها حسب التشريع الإسلامي.. ومن ذلك خلط صغائر الأمور مع الكبائر.. فالهيئة بذلك وعن غير قصد رفعت الصغائر إلى مستوى الكبائر مما كان من نتيجته تهوين الكبائر في نظر الناس.. أيضاً عدم التفريق بين الفجور والفسوق.. على الرغم من أن التشريع الإسلامي لا يعاقب الفاسق في الدنيا عكس الفاجر.. ومن ذلك أيضاً حرص بعض منسوبي الهيئة على فضح الناس كنوع من الردع.. وهذا مناف لأبسط قواعد حقوق الإنسان في الإسلام.. وأخيراً وليس آخراً إن على الهيئة أن تتحول من سلطة رقابية ضبطية.. تتابع أصحاب المنكر وتترصدهم وتتجسس عليهم وتكمن لهم إلى سلطة توعوية.. وأن تترك الضبط الجنائي لرجال الأمن من شرطة ومباحث.. فقيام الهيئة بدور الشرطة أثار عليها المجتمع المحلي وانتقاد الرأي العام العالمي.
|
|
|
| |
|