| |
استعادة الأصوات القديمة بين الحلم والحقيقة مهندس مهند أحمد عبد المتعال
|
|
الأصوات، سواء صوت إنسان أو حيوان أو صوت رياح وزمجرة الأمواج في البحار الهائجة أو صوت رعد أو تكسر صخور.. هي أمواج ذات طاقة، واتفق العلماء على تعريف شدة الصوت وهو الطاقة التي تحملها موجة الصوت بالجول في وحدة الزمن وهي الثانية عبر وحدة المساحة العمودية على اتجاه انتشار الصوت أي الموجة الصوتية، والجول في الثانية هو الواط، والواط هو وحدة القدرة فيمكن إعادة تعريف شدة الصوت فنقول هي القدرة المارة خلال وحدة المساحة العمودية على اتجاه الصوت، ووحدة قياسه (الديسيبل). وقبل عام 1898م كان تسجيل الصوت في حكم المستحيل، وهو شيء خيالي في رأي الناس كلهم ما عدا العالم الأمريكي (أديسون) فقد حاول تسجيل الصوت ونجح وكان قد حصل على إطار كالطبل إلا أنه ليس من الجلد بل من قصدير رقيق جدا، وتحدث على مقربة منه فاهتز اهتزازا ملحوظا ثم أوصل قضيبا معدنياً صغيراً جداً بهذا الإطار وقام بحزحزة القضيب ثم لامسه لورق ملفوف من القصدير أيضا، ثم تحدث بجملة من كلمات وأثناء ذلك الحديث كان يسحب ورق القصدير بعناية من الأعلى إلى الأسفل، فارتسمت الحزوز على ورقة القصدير هذه، ومن المعروف أن الإطار وغشاء القصدير الرقيق قد اهتز، ونقل الاهتزاز إلى القضيب المحزز وهذا القضيب نقل الحزوز على ورقة القصدير الملفوفة، وهنا كان (أديسون) أمام النجاح أو الفشل فالتجربة والحلم الكبير متعلق بهذه الورقة الملفوفة من القصدير، إنها آلاف السنين مرت على البشرية دون أن يجروا تجربة مذهلة كالتي فعلها (أديسون)، فحمل أديسون الورقة ثم لامسها لنفس القضيب المحزز وسحبها كما ينسحب المنشار على قطعة خشب، وكلنا سمع صوت انسحاب المنشار على الخشب، ولكم كان الموقف مذهلاً أيها القارئ، فماذا جرى؟ لقد سمع أديسون الجملة التي نطق بها وبصوت ضعيف، وتمكن لأول مرة في تاريخ البشر من تسجيل الصوت، وكان وقع التجربة هذه يفوق الوصف فالضوء تمكنوا من تسجيله بكاميرا تعتمد على عدسة محدبة وصبغة نترات الفضة (Agno3) فتظهر صورة مسجلة، أما الآن فأصبح الصوت تسجيله ممكناً وكان جهاز التسجيل (الفونوغراف) أول جهاز لتسجيل الصوت ثم تلاحقت طرق عديدة لتسجيل الصوت آخرها أشرطة (DVD) عبر الكمبيوتر. بقيت الآن مسألة الأصوات القديمة، فلو أن بلبلاً غرد بصوت رائع وانتقلت الأمواج الصوتية إلى جبل واصطدمت به، فهل سيحتفظ الجبل بهذا الصوت، وهل يمكن استعادته مرة أخرى، ولو أن رجلاً إفريقياً صرخ من لسعة عقرب وكانت بجواره شجرة كبيرة، فهل احتفظت الشجرة بصوت صراخه القوي، ولو أن أمواج البحر اصطدمت بالصخور فهل الصخور قد احتفظت بصوت الأمواج، وهل يمكن استعادة الأصوات القديمة؟ بعض العلماء يستبعد هذا، لأن - حسب رأيه - جزيئات وذرات المواد (كالجبل والشجرة والصخور..) قد تأثرت بالطاقة الصوتية لفترة محدودة ثم عادت إلى وضعها الأول فلا يمكن إذن بقاء الأثر الصوتي، فالحال هذه كحال طفل مشى بجوار رمل شاطئ ثم مشى فوق أثره رجل ثم رجل آخر وهكذا تنطمس آثار أقدام الطفل وتتبدل إلى آثار أخرى، ولكن السؤال، هل توجد مادة تحتفظ بالصوت لمرة واحدة دون أن تتأثر بالأصوات اللاحقة؟ وإذا كان الجواب نعم فإننا نستطيع استعادة الأصوات القديمة كصوت ديناصور قبل آلاف السنين، فما هي هذه المادة؟ إنها لا تزال مجهولة حتى هذه اللحظة، ومن يعثر عليها فسيصبح مليونيرا لأنه سيبيع سر الاختراع بملايين. وفي خاتمة هذا أحب أن أذكر طريقة وهي ملاحقة الأصوات عبر الفضاء، ففي رأي بعض العلماء أن الصوت لا يتوقف على الأرض بل ينطلق إلى الفضاء الخارجي وإذا أمكن ملاحقته فيمكن استعادة الصوت حتى صوت الديناصورات والغول والسعالي، ولكن من المعروف أن الصوت يتطلب وسطاً مادياً ينتقل فيه كالهواء فكيف حاله وهو خارج الغلاف الجوي إذ لا يوجد هواء، ومعنى هذا أنه - أي الصوت - سيتوقف، فكيف ينطلق إذن دون وسط مادي؟ فالصوت ليس كالضوء وأمواج الراديو فهذه تنطلق في اللامادة (أي الفراغ) وكلنا سمع عن وصول موجات الراديو لمركبة حطت على الكوكب الأحمر (المريخ) قبل بضع سنوات رغم الفراغ الهائل بين كوكبنا الأرضي وبينه. يقولون (لا شيء مستحيلاً) وتبقى فكرة استعادة الأصوات القديمة تشغل القلوب والعقول لروعتها.
|
|
|
| |
|