حدثتني ممن أثق بها أن إحدى الداعيات حضرت إلى مقر عملهم لتلقي محاضرة عن الأمانة في أداء العمل وارتباطها بالشريعة الإسلامية وما تدعو إليه من قيم ومبادئ سامية، وكان مما تساءلت عنه الداعية الأعمال التي يصل ثوابها إلى الميت، فانبرت أكبر الموظفات سناً ومركزاً بالقول: إن قراءة القرآن من ضمن هذه الأعمال!!
اندهشت جميع الحاضرات، وتم تصحيح معلومتها، فالكل يعلم مما تعلم في المدارس أن قراءة القرآن لا يصل فضلها إلى الميت بل لقارئه فقط، وإنما حصرت الأعمال حسب حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية، أو علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له)، ولعل الدهشة تنتفي حين تعلم أن هذه الموظفة تلقت تعليمها في أحد البلدان العربية التي لا تشكل المواد الشرعية في مناهجها إلا القليل، ولم تسعَ بنفسها لتعلم أصول دينها والتزود بالعلم الشرعي..
تقول محدثتي: ومن خلال تعاملي مع هذه الموظفة كنت ألحظ عليها اهتمامها بشؤون دنيوية عابرة لتحقيق أمور آنية زائلة دون الاكتراث بعواقبها الشرعية كتساهلها بأحوال تتعلق بالأمانة وإخلاص العمل لله، وسعيها الحثيث لتحقيق رضا الرؤساء للحصول على مركز وظيفي أعلى! وجهلها بأبسط حالات الحلال والحرام، فضلاً عن بعض التصرفات التي تتنافى مع الإيمان بالقضاء والقدر، فتجدها دوماً في حالة هلعٍ وخوف وتوتر!!
وهنا استرجعتُ مناهجنا الدراسية وما يتعلمه الطالب من أبناء هذا البلد المبارك خلال اثني عشر عاماً في التعليم العام، فوجدت أن لديه محصلة شرعية تمكنه من أن يناقش في أمور دينه وإدراك ما هو حلال وحرام، بل حتى في التفاصيل الفقهية التي تجعله يستشهد بالآيات والأحاديث الصحيحة وإجماع الأمة واجتهادات الأئمة، وهذا ليس بمستغرب، فحين فتحت المدارس في عهد الملك عبدالعزيز - رحمه الله - كانت السمة الشرعية تظهر في كل علم سواء في علوم اللغة العربية أو الاجتماعية أو الطبيعية والرياضيات؟ فعليه رحمة من الله أن جعل هذا الوطن يقوم على نهج إسلامي وشريعة صافية بعيدة عن شوائب التطرف والانحراف، وحافظ على مجتمعنا واتخذ القرآن الكريم دستوراً للبلاد، وضم الحرمين الشريفين لهذه المملكة، فاجتمع الزمان والمكان، والتمكين للقيام بالحفاظ على الدين العظيم ونشره للعالمين، ولئن ظهرت أصوات تنسب أي عمل إجرامي أو سلوك منحرف إلى مناهجنا الدراسية، فما هي إلا أبواق يصفق لها الغرب أو الحاقدون على انتشار الفكر الإسلامي الرفيع، وما انفك هؤلاء يسعون لإلقاء التبعات السلوكية الخاطئة عليها، وكأنهم ما درسوها وتخرجوا في جامعتها، بل وكأنهم لم يقفوا طوابير في ديوان الخدمة المدنية لتوظيف أولادهم وبناتهم أو إخوانهم وأخواتهم معلمين للمناهج نفسها في مدارسنا! وإن كان أي سلوك خاطئ يصدر عن شبابنا ينسب إلى المناهج، فهل يمكننا القول إن انتشار المخدرات في بلاد العالم بسبب سوء مناهجهم واتجاهاتها؟! ولنكن موضوعيين، فإن المناهج في جميع بلدان العالم لا تدعو ولا تشجع على أي سلوك خاطئ حتى ولو كانت في بلاد لا تناسبنا أفكارها أو معتقداتها.
وإن كان من تهمة يمكن تعليق أخطاء الشباب عليها، فإن إحداها - بلا شك - هو غياب القدوة، ذلك الرمز الغائب أو المغيب.. أضف إليها الرفاهية والفراغ والمال والدلال التي تفتك بالشباب دون أن يشعر المجتمع بخطورتها، كما أن عدم حرص الوالدين ومتابعتهما لأولادهم هو السبب لظهور تلك الانحرافات الفكرية والسلوكية والاجتماعية.
ولئن تقاذفنا كرة الهجوم والدفاع حول مناهجنا، فلن نخلص حتى يضيع بقية الشباب..
أجمل ما قرأت قصيدة للشاعر حسن بن محمد الزهراني يثني على الملك عبدالعزيز بإرساء مناهج الشريعة الإسلامية، يقول: