| |
استرعى انتباهي الغرب الممقوت.. والغرب المشرق في ثقافتنا العربية المعاصرة د. عبد الله بن ناصر الحمود(*)
|
|
تشرّفتُ خلال الأيام القليلة الماضية بالمشاركة في مؤتمر دولي لحوار الحضارات أقامته كلية الإعلام في جامعة (كمبلوتنس) في مدريد. وكنتُ أعددت ورقة علمية تناولت صورة الغرب في الإعلام العربي. واتضح من هذه الورقة عدد من الجوانب المهمة في ثقافتنا العربية المعاصرة عندما ننظر للغرب، أو نتحدث عنهم في وسائل إعلامنا. لقد ظهر جلياً أن الغرب عندنا صنفان، أو أنه حالتان: حالة ممقوتة مغضوب منها، وحالة مُشرقة جذابة. لكن بريق الحضارة الغربية يكاد لا يُرى وسط دخان معاركهم معنا، وتجبُّرهم علينا. فالجانب الإيجابي في صورة الغرب عندنا يتلخص في أن الغرب متطور، متحضر، ديمقراطي، متقدِّم عن غيره اقتصادياً وتقنياً وعلمياً. فالتقدم والتطور في مجالات العلوم والتقنية أهلت الغرب - بشكل عام - أن يحظى بمكانة إيجابية في المنتج الثقافي العربي، وفي مقدمته منتجات وسائل الإعلام. وبذلك يُقدَّم الغرب في الإعلام العربي في حالات كثيرة عبر الأفلام والبرامج الحوارية، على أساس أن الغرب (نموذجاً) يمكن أن يحتذى. لكن غالب رؤيتنا الإعلامية للغرب، هي رؤية سلبية، وبخاصة إذا توافر لها واحد من الباعثين التاليين: الأول: قلق المؤسسات، المدنية بشكل خاص، من الترويج الذي تمارسه بعض وسائل الإعلام العربية للجوانب المضيئة في الثقافة الغربية، حيث تعتقد تلك المؤسسات، كما يعتقد عدد من النقاد العرب أن عملية الترويج تلك تنعكس سلباً على المجتمعات العربية وتورثها الشعور بالإحباط والدونية. الثاني: الطرح السلبي المباشر للمرفوض، عربياً، من فكر ومناهج وسلوكيات المجتمعات الغربية على مستوى الهيئات والمنظمات والحكومات بشكل خاص. ويتقدم ذلك كل أنماط مصادرة الحقوق العربية والاعتداء عليها في الثقافة الغربية، وكل مظاهر الهيمنة الغربية والنزعة الاستعلائية والاعتداء على الشعوب والحكومات. إن هناك هيمنة غربية (أمريكية في المقام الأول) تفرض سياساتها على الدول والمنظمات والهيئات والأفراد، وتتبنى مبدأ الكيل بمكاييل عديدة وتخاطر بالعلاقات السياسية والاقتصادية مع الآخرين في سبيل تحقيق المصالح الأمريكية. كما أن الغرب يساوي بين الإرهاب الإسرائيلي والفداء الفلسطيني، ويتعامل مع قضايا الشرق الأوسط من منطلق الاستعلاء والصدود والحصار. كما أن هناك دوراً غربياً تعكسه سياسات غير عادلة يؤوي الإرهاب ويرعاه، وعداء سياسي وإعلامي وشعبي للعرب والمسلمين، وإقرار قوانين أمريكية مقيدة للحريات ساعية لتجميد الأرصدة العربية للأفراد والمنظمات داخل الولايات المتحدة، وخدمة أغراض داخلية لمصلحة المواطن الأمريكي على حساب المواطن الآخر العربي المسلم، ثم هناك تخطيط لأهداف قادمة لاجتياح البلدان العربية والإسلامية، وضغوط أمريكية على الدول والمنظمات والهيئات لدفعها للتورط في التحالفات الدولية، وممارسات وحشية تتمثّل في المذابح والتصفية الجسدية. أما من حيث الغرب الأوربي، فهناك غياب واضح للدور الأوربي على الساحة الدولية، وتدعيم صامت للدور الأمريكي، ودور ضعيف غير مؤثّر في عمليات السلام، في الشرق الأوسط من منطلق انشغال أوربا بدورها الأساسي في دعم الاتحاد الأوربي، وصراع دائم مع الشرق لاستغلال ثرواته ومس مصالحه من خلال صور عديدة تتصدرها على المستوى الاقتصادي الشراكة الأوربية العربية، القائمة على إعلاء المصلحة الأوربية وسياسات العولمة التي تخاطر بمصالح الفئات الفقيرة في العالم وبخاصة العربية والإسلامية. وقد أمكن تلخيص الصورة السلبية للغرب في الثقافة العربية المعاصرة في مجالين اثنين: الأول، (النطاق السياسي والعسكري) الذي يعكسه الاحتقان القائم بين العالم الإسلامي والغرب. الثاني، (النطاق الديني والأيديولوجي)، حيث يمثِّل الانتماء العقدي والأيديولوجي لوسائل الإعلام العربية دوراً حاسماً في طبيعة النظرة السلبية التي يحملها هذا الإعلام ويقدّم من خلالها الغرب بشكل عام. ويجد هذا النوع من الإعلام العربي حججاً قوية جداً، لاتخاذه الصور السلبية والعمل على أساسها، كلما تمت محاولة مجتمع غربي ما أو أفرادٍ منه تشويه العقيدة الإسلامية، والطعن في رموزها. ومن هنا، يبدو أن مستقبل الحضور الغربي في الثقافة العربية يتسم أيضاً بالتفاوت الواضح، بين (مستقبل سلبي) يزداد سلبية، و(مستقبل إيجابي) لكنه محدود. فالسلبية تقوم على أساس النظر للوضع الحالي المرتبك سياسياً، ودينياً، واجتماعياً، بين المجتمعين الغربي والعربي. ومهما يكن من أمر التفاؤل بوجود مستقبل إيجابي للغرب في الثقافة العربية والإعلام العربي، إلا أن القليلين الذين يرون ذلك، يربطونه بقبول الجيل الجديد لنمط العيش الغربي واكتسابهم خبرات أكثر انفتاحاً على الغرب، وهو الأمر الذي لم يأخذ في حسبانه الواقع السياسي والعسكري المتردي، والذي يجب أن يوضع له حد فاصل يحترم جميع الأطراف على الساحة الدولية. وما لم تكن هناك مبادرات حقيقية ومشروعات جادة، فإن الهوة تبدو واسعة على الردم، في ظل تنامي مسببات رسوخ السمات السلبية وزيادتها على المسرح الدولي.
(*) نائب رئيس مجلس إدارة الجمعية السعودية للإعلام والاتصال
alhumoodmail@yahoo.com |
|
|
| |
|