| |
وإن من البيان سحراً شاكر بن أحمد إمام (*)
|
|
تأمل أخي الحبيب في هذا الموقف، كما في صحيح مسلم (قال أبو وائل: خطبنا عمار فأوجز وأبلغ، فلما نزل، قلنا: يا أبا اليقظان، لقد أبلغت وأوجزت، فلو كنت تنفست فقال إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: إن طول صلاة الرجل وقصر خطبته مئنة من فقهه، فأطيلوا الصلاة وأقصروا الخطبة وإن من البيان سحرا) صحيح مسلم. ومعنى تنفست أي أطلت، فعمار رضي الله عنه كان خطيباً بارعاً ومتكلماً مفوهاً، جذب أسماع الناس وشد تركيزهم إلى درجة أنهم أرادوا منه الاطالة ليستمتعوا بكلامه، وهذا قد يكون نادراً من الناس أنهم يطلبون استمرار المتكلم ومع ذلك رفض عمار هذا الطلب ولم يستغله في الاطالة وذلك اقتداء بالسنة، وأيضاً لأن ذلك ابلغ في التأثير على الناس فالاطالة على الناس يدخلهم في الملل، فلو أن كل خطيب نظر إلى خطبته باختيار الكلمات الجامعة المؤثرة مع قصر الخطبة فإنك ترى فيها أثراً عظيماً أكثر من خطيب آخر أطال في خطبته حتى لوكانت جيدة فإن الكلام ينسي بعضه بعضا غالباً، ويدخل السامع في النعاس أو الملل أحياناً ولهذا كانت السنة للخطيب الاختصار؛ لأن الخطبة ليست مثل الدرس أو المحاضرة، فالخطبة يحضرها جميع الناس وقد يكون منهم من لا يريد السماع او متعب أو له ظرف خاص لكنه حضر لأن سماع الخطبة واجب، كما أن الخطبة تتكرر أسبوعيا بخلاف باقي الكلمات أو المحاضرات.. وهنا أقول لو ان الخطيب اختار موضوعاً قصيرا او حيثية صغيرة جعلها خطبة فإنه يستطيع أن يجعل الخطبة قصيرة ومناسبة ويذكر ما يحتاج اليه الموضوع لكن لو جعل خطبته في موضوع كبير ومتفرع ومتشابك فمثل هذا لا يستطيع ان يقصر الخطبة ولو قصرها فقد يخل بها إخلالا لا ينفع السامع بشيء ولا ينظر الى كون بعضهم او أكثرهم أراد منه الإطالة؛ فعمار رضي الله عنه لم ينظر الى طلب أصحابه الإطالة فعلمهم السنة، وبين السبب، وهذا واقع فقد يعجبون بالخطبة لقصرها فلو اطاله بناء على طلبهم فقد يتذمرون مرة أخرى أو لا يكون لها نفس قوة التأثير السابق، وكما قيل: (لأن يسكت المتكلم والناس يقولون ليته ما سكت خير من أن يتكلم والناس يقولون ليته سكت).
(*) تبوك
|
|
|
| |
|