| |
الحبيب أو القريب أيهما الأولى فهد بن سليمان التويجري (*)
|
|
الكل يعرف ما جاء في شرعنا المطهر من الحث على صلة الرحم وذوي القربى، ولكن فهم الصلة انحصر في الزيارة عند الأغلب إن لم يكن الكل وظنوا أن صلة القريب هي في زيارته فقط، والحق أن الصلة أشمل وأوسع؛ فالزيارة والإحسان والصدقة والإقراض والشفاعة والهدية وكل وجوه الإحسان داخلة في الصلة مع إظهار المحبة والسرور. والمتأمل: في الفطرة يجد أنها تنادي بذلك، كما أن المتأمل في حياة المصلحين (الأنبياء) عليهم الصلاة والسلام وعلى محمد - يظهر له جليا حبهم وإيثارهم وتقديمهم لأقاربهم، فهذا نوح - عليه السلام وعلى محمد - يقول لابنه (يَا بُنَيَّ ارْكَب مَّعَنَا وَلاَ تَكُن مَّعَ الْكَافِرِينَ) (42) سورة هود، فكان نداؤه لابنه أولاً محبة أن ينجو من الغرق ولم ينته عند هذا، بل إنه بعد نهاية الطوفان (فَقَالَ رَبِّ إِنَّ ابُنِي مِنْ أَهْلِي)(45) سورة هود، إنها الرحم! إنها الفطرة!، وقل ذلك في إبراهيم - عليه السلام وعلى محمد - حين قال كما قال الله حكاية عنه: (يَا أَبَتِ لَا تَعْبُدِ الشَّيْطَانَ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلرَّحْمَنِ عَصِيًّا (44) سورة مريم، فكانت دعوته لأبيه أولاً، ولم يقف عند هذا، بل استغفر لأبيه بعد ذلك، إنها الرحم! إنها الفطرة! وقل ذلك في موسى - عليه السلام وعلى محمد - حين قال: (وَاجْعَل لِّي وَزِيرًا مِّنْ أَهْلِي (29) هَارُونَ أَخِي) سورة طه، إنها الرحم، بل حث سبحانه نبينا محمد صلى الله عليه وسلم على صلة القريب في قوله: (وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ)(214) سورة الشعراء، فقال: يا عباس عم رسول الله، يا فاطمة بنت محمد، إنها الرحم! إنها الفطرة!، كما أن الناظر في حياة رسولنا الكريم، يتضح له مدى حبه لبني هاشم فهو يتألم عندما مات عمه أبو طالب على الشرك، ويتألم عندما أسر عمه العباس يوم بدر، ويقول لعمر: أيقتل عم رسول الله، فيقول أحد الصحابة (أيترك العباس ويقتل غيره)، ويتألم لابنته زينب عندما صدها المشركون عن الهجرة، ويتألم عندما قتل عمه حمزة، ويرجع إلى المدينة وهو يقول: أما حمزة فلا بواكي له، حتى أخذت النساء ينحن على حمزة، ويحزن أشد الحزن وتذرف عيناه، عندما قتل ابن عمه جعفر في مؤتة ويذهب إلى أهله يواسيهم، ويقول: (اصنعوا لآل جعفر طعاماً فقد أتاهم ما يشغلهم). وكذلك كان مع ابنته فاطمة يحبها ويواسيها، وغضب عندما علم أن علياً يريد أن ينكح عليها غيرها، فنهاه عن ذلك أشد النهي إلا أن يطلق فاطمة - عليها السلام - ثم كانت وصيته بأهل بيته في آخر حياته (يوم غدير خم)، هكذا كانت الصلة عند الأنبياء، لم تكن مجرد زيارة أو لقاء، أو ضيافة، إنما كانت فيها الدعوة والإيثار والبذل والمشاركة في الألم والفرح، وما أروع قول نبي الله موسى: (وَاجْعَل لِّي وَزِيرًا مِّنْ أَهْلِي (29) هَارُونَ أَخِي) سورة طه. هكذا كانت الفطرة، وهكذا كان الأنبياء، مع ذوي أرحامهم، لكن الناظر في أحوالنا اليوم يجد عكس ذلك تماماً، فالأكثر منا يخدم ويساند ويواسي صديقه ورفيق دربه وينسى ويتناسى الأقربين، والأقربون أولى بالمعروف.
(*) المجمعة
|
|
|
| |
|