استلقيت على فراشي، وكان النوم يداعب أجفاني، وفجأة أحسست أن كل عضلة في جسمي تنتفض، فنهضت فزعا، وقد سيطر على تفكيري إنني إن أغمضت عيني فلن أستطيع فتحهما مرة أخرى، حيث بدا لي لوهلة أنني سأموت، فأحسست بالظمأ، وخشيت الموت وأنا ظمآن، فتناولت كأساً من الماء بجانبي فشربته بتلذذ، وقد أحسست أنه آخر كأس ماء سيدخل جوفي في هذه الحياة الفانية، فاستعذت بالله من الشيطان الرجيم، فهدأت نفسي وشيئا فشيئا وجدت نفسي قد استغرقت في نوم عميق، لم يقطعه سوى صوت نديّ يصدح بأذان الفجر، فنهضت وسحبت بعمق هواء رطبا إلى صدري، لأدرك أنني ما أزال على قيد الحياة، ولكن يظل لكل شيء نهاية، مهما طالت الحياة ف:
كل ابن أنثى وإن طالت سلامته
يوماً على آلة حدباء محمول
هذه التجربة مررت بها قبل سنوات، وأتذكرها من حين لآخر، كلما قيل لي: إن فلاناً من الناس قد توفي أو مررت على صفحة الوفيات بجريدة الجزيرة، حيث أحس حينها أن الموت أقرب للإنسان من حبل الوريد، فكيف ينساه أو يتناساه وهو يرافقه أينما ارتحل، بل ولا يخشاه فنراه يظلم ويقتل ويسرق ويزني ويعق والديه، ومن جبروت بعضهم من الناس أن يتذكر كل من أساء إليه حتى ولو بكلمة إلا أنه يتذكر الموت حتى وهو يرى ميتاً أمامه:
غيرت موضع مرقدي ليلاً ففارقني
السكون فبربك أول ليلة في القبر كيف أكون
بل وغريب أمرنا نحن البشر، نرى قطار الموت يحمل أحبابنا واحداً بعد الآخر، فنبكيهم بضعة أيام، ثم نعود إلى حياتنا، وكأن شيئا لم يكن، أذكر أنني ذهبت لأعزي أحدهم في والدته، فرأيته يبكي بكاء حارا، حتى اعتقدت أنه سيموت من شدة البكاء، وبعد بضعة أشهر جمعني به مجلس فألقى أحدهم طرفة، فرأيته يضحك بشدة حتى اعتقدت أنه سيموت من شدة الضحك، فقلت سبحانك ربي، تقلب القلوب كيف تشاء.
تساؤل
هل ستطول بي الحياة لأرى ما كتبته يدي وهو يحتل مساحة في هذه الجريدة، أم أن ساعة المنون ستكون أسبق، وسأكون في ظلمة القبر.
يقول: