هذا هو الديوان الذي صدر للشاعر أبو القاسم الشابي وعاش في الفترة 1327هـ وتوفي عام 1352هـ في بلدة قابس ولما يبلغ 26 عاماً وبرزت قصائده وأشعاره مما يدل على نبوغه المبكر وشاعريته الجيدة مما جلب له الاهتمام وحرك الأقلام حيث كانت قصائده تصور وتجسد الكثير من العناصر التي تكونت منها النهضة العربية الحديثة، ولقد كان علماً من أعلام الشعر وعلامة بارزة مضيئة في تاريخ الشعر العربي الحديث حفل شعره بأجمل الصور الشعرية الأصلية وخصوبة الخيال وروعة التصوير ودقة التعبير كما تجلى ذلك في ديوانه الذي نستعرضه والذي طُبع في عام 1955م متضمناً لـ92 قصيدة ومقطوعة يصور شعره قائلاً:
لقد غنى للحب والجمال والحياة بصورة شعرية أخاذة وعبّرعن ذلك بقوله:
ولقد توفي والده وهو في العشرين من عمره تاركاً له أعباء كبيرة وكانت بلاده ترزح تحت وطأة الاحتلال الأجنبي ويلاحظ أنه لم يقصر شعره وأدبه على وطنه بل خرج إلى العالم العربي من خلال مجلة (أبولو) وكان يرى أن الشعر إحساس ومشاعر ومعاناة وكان يقول على الرغم من مرضه:
وأشير في دنيا المشاعر حالما |
والنار لا تأتي على أعضائي |
وما أكثر قصائده الجميلة وأروع فنه وألفاظه القوية التي تهز الوجدان وتحرك المشاعر وكم تحمل قصائده من معانٍ جميلة بديعة ولقد قال الدكتور طه حسين (إن الجمال لا علاقة له بالزمان فإن اللحظة منه تكفي لإضاءة حياة كاملة).
يقول عنه أبو القاسم محمد كرو لقد كان الشابي مثابراً على دروسه في جامعة الزيتونة وانهمك في المطالعة يلتهم كل كتاب في مكتبة ابن خلدون وخصوصاً عيون التراث العربي والعالمي والمترجم ومنها آثار كبار الشعراء العرب والغربيين كالمعري وأبي العتاهية والمتنبي ولامرتين وغوتة كما استوعب بشغف ما أنتجه أقلام الأدباء العرب في المهجر الأمريكي لما تميز به أدب المهجر من جاذبية وسهولة في الأسلوب وتجديد في الأفكار والمعاني. وتكاملت العناصر في تكوين شخصيته الأدبية بين تراث حي ومتجدد وبين أدب عربي وعالمي معاصر.
ولقد أصيب بمرض القلب وتضخمه وعدم قدرته على القيام بوظيفته كشاعر ضعيف البنية والصحة حاد الذكاء وشديد الحساسية كما يقول:
ولقد كانت قصائده في آخر حياته مليئة بالحزن وطافحة بالألم والتوجع من قلبه الكسير العليل.
لقد ترجمت بعض قصائده إلى كثير من اللغات الحية وأهم إبداعاته هي أشعاره وديوانه (أغاني الحياة) تبرز عبقريته ومأساته في آن واحد وفي شعره غناء بالطبيعة والطفولة والحياة والحب والجمال والشباب وترك آثاراً كثيرة ومتنوعة ونختم القول بمناجاة أحد الشعراء له:
وإذا تفجع كان جمراً لاهبا |
لقد أخذت قصائده أوسع الأصداء وأقبل عليه المشتغلون بالنقد والأدب بالدراسة والاهتمام والشرح والتحليل لما تضمنه شعره من مظاهر الإبداع والإشراق والجمال وروائع الصور.
عبدالله بن حمد الحقيل
|