| |
إصلاح السوق والإسراع في تكسير احتكارات القلة استراتيجيات الاستثمار الآمن في ضوء استمرار المسار الهابط * د. حسن الشقطي *
|
|
كثر الجدل حول ماذا يفعل المستثمرون في السوق خلال الفترة الحالية التي تتسم بالمسار النزولي، بل الفترة التي يتوقع فيها استمرار هذا الترند (الاتجاه) الهابط.. هل يبيعون أم يشترون؟ هل يخرجون أم يدخلون؟ هل يضاربون أم يستثمرون؟ هل الأفضل بقاء سيولتهم داخل السوق أم خارجه؟ هل مضارباتهم من الداخل أفضل أم من خارج السوق؟ ومن جانب آخر، هل سياسة هيئة السوق المالية المتبلورة في السعي الحثيث في الاعتماد على زيادة عدد الشركات المدرجة في السوق لزيادة عمق السوق؛ وبالتالي القضاء على القيود الاحتكارية في السوق هل هذه السياسة كفيلة فعلاً بالقضاء على الحلقات الاحتكارية المتنامية في السوق؟ بل هل نسبة الحد الأقصى المفروضة على حصص ملكية المساهم الواحد في السوق الآن (وهي 5% تقريباً) هل كفيلة بمنع استحواذ وسيطرة المستثمر الفرد على حصة قوية في الشركة بالشكل الذي يمنع احتكاره لسوقها؟ وإذا كانت هذه النسبة هي 5% كحد أقصى، فهل هي كذلك في ظل جمود وركود الحصص الكبيرة التي تمتلكها الدولة في أسهم الشركات القيادية تحديداً؟ والأهم من كل ذلك، فحتى وإن طال أمد موجة الهبوط، فإلى أين يمكن أن تسحب المؤشر؟ وما هو القاع التوازني الآمن للمؤشر حسابيا؟ استمرار التذبذب في نطاق أفقي ضيق..! واصل المؤشر هذا الأسبوع تذبذبه في نطاق ضيق بين صعود وهبوط، إلا أن الاتجاه الأكثر تأثيراً كان الاتجاه الهبوطي، ورغم أن النزول القوي بنسبة 2.94% في يوم الأحد تم تفسيره بجني أرباح فترة الأسبوع في الأسبوع السابق، إلا أن نزول يومي الثلاثاء (بنسبة 0.93%) والأربعاء (بنسبة 1.54%) لا يمكن تفسيره سوى بالتحام موجة الهبوط القصيرة بموجة الهبوط الطويلة ليستكمل السوق تذبذبه الضيق في نطاق نزولي، إن استمر طويلاً ربما يسحب المؤشر ليسير في مسار طويل المدى، والذي قد يزور فيه هذه المرة مستويات الـ7000 نقطة، بالتحديد، بإغلاق المؤشر عند 8324 نقطة، يكون قد خسر هذا الأسبوع 377 نقطة أي ما يعادل 4.33% من قيمته، ولعل ذلك، يثير التساؤل: هل انتهت موجة الصعود قصيرة المدى التي بدأها المؤشر منذ الأسبوع الماضي؟ بالطبع الإجابة قد تكون بنعم، وتداولات الأسبوع المقبل هي التي ستؤكد ذلك من عدمه. أما على مستوى أداء القطاعات، فقد جاءت جميعها خاسرة ولكن بنسب متباينة، حيث لحقت بالقطاعات الأشبه بالمضاربية خسائر أكبر من غيرها، بالتحديد قطاعات الخدمات هبطت بنسبة 7.04%، والكهرباء هبطت بنسبة 5.17%، يليها التأمين بنسبة 4.58%، ثم الزراعة بنسبة 3.67%. ولعل القطاع الزراعي يعتبر القطاع الأكثر هبوطاً لولا نسب الصعود الكبيرة والملحوظة التي حققتها بعض أسهمه خلال موجة الصعود القصيرة، ولعل ما يؤكد ذلك استمرار توجه السيولة المتداولة إلى قطاعات الخدمات والزراعة بشكل يفوق الأوضاع المعتادة في السوق، وذلك لأهداف مضاربية، إلا أن السوق يمتلك اليوم إشارات طويلة ومؤكدة تبرز أن هناك تصحيحاً انتقائياً يتم داخل السوق، حيث إنه يومياً يتم قشط نسب في أسعار أسهم معينة تتسم بالتضخم استمرار الوضع الاحتكاري القاسي للأسهم في السوق!!! منذ بداية الأزمة في 26 فبراير من هذا العام اتضح جلياً أن السوق يعاني من مشكلة حقيقية تتمثل في احتكار القلة. وقد ركزت جهود هيئة السوق المالية لعلاج هذا الوضع في ضخ المزيد من الشركات الجديدة للسوق وبشكل متوال ومتسارع، بحيث يزداد عمق السوق؛ وبالتالي تخفيف حدة الحلقات الاحتكارية التي باتت تؤرق جبين المساهمين فيه من لحظة إلى أخرى أثناء التداول، إلا أن حدود زيادة عمق السوق على الأقل خلال العامين المقبلين معروف أنها قد لا تزيد على 30 أو 40 شركة حداً أقصى، ومن ثم فإن التقدير المتفائل لعدد الشركات في السوق لا يزيد على 130 أو حتى 150 شركة خلال نهاية 2008، وذلك قياساً على عدد الشركات الجديدة المدرجة في السوق خلال الأعوام الأخيرة. أما عن الإصلاحات الكبيرة التي يمر بها السوق الآن والتي هي بالطبع حسنت كثيراً من أدائه، والتي يتوقع أن تؤدي إلى رفع كفاءته بشكل ملحوظ من خلال اقتراب السوق الآن من مستوياته التوازنية الاستثمارية. ولكن التساؤل الذي يفرض نفسه الآن أنه حتى لو افترضنا أن المؤشر وصل إلى قيمته التوازنية المقبولة والمنافسة لأسواق المال العالمية، وافترضنا أيضاً أن عدد الشركات في السوق وصل إلى مستوى 150 شركة (وهي تقديرات متفائلة)، فهل يمكن توقع كسر الحلقات الاحتكارية التي يعاني منها السوق الآن؟ للأسف فإن الإجابة بالنفي. بداية بسبب ضخامة حجم السيولة النقدية في السوق، وزيادة عدد المحافظ الاستثمارية الكبيرة في السوق، حيث يصل عدد المحافظ التي تزيد قيمتها على 50 أو 100 مليون (حسب بيان سابق لمؤسسة النقد العربي السعودي) إلى نحو 2500 محفظة، وهو عدد كبير مقارنة بأي من أسواق المال الأخرى. أضف إلى ذلك عدم وجود قنوات استثمارية بديلة ترضي هؤلاء المستثمرين لضخ أو توجيه جزء من هذه السيولة إليها، بل من المؤكد أن عدداً لا بأس به من هذه المحافظ الكبيرة (قد يفوق الـ100 محفظة) تزيد على مليار ريال. ولعل كل ذلك يقود إلى انقسامات في السوق لدرجة أنه أصبح مشابه لسوق الكارتلات المنظمة التي يحترم بعضها بعضاً، وذلك رغم قيام القروبات بتعكير صفو هذه العلاقات المحترمة إلى حد ما خلال الآونة الأخيرة. ولعل الحد الأقصى المسموح به لكل مستثمر كملكية في الشركة الواحدة ربما يمثل أحد الأسباب التي تمكن هؤلاء المستثمرين من أصحاب المحافظ الكبيرة من التحكم واحتكار أسهم الشركة، ومن ثم تحريكها كما يرغبون وحسب مصالحهم الشخصية. ونحن نتساءل: إذا كان هذا هو حجم تأثير المساهم الواحد في أسهم شركة قيادية لها ثقلها وقوة تأثيرها في السوق!!... فكيف الحال إذا افترضنا أن مستثمراً وحيداً يمكن أن يحتكر كل الأسهم القيادية؟ بل كيف الحال إذا كان هذا المساهم يمتلك محافظ بأسماء آخرين تمتلك حصصاً أخرى في تلك الأسهم؟ بالطبع نحن نتساءل: هل يوجد بالنظام الحالي للسوق المالية ما يمكن أن يمنع حدوث مثل هذه الاحتكارات بمثل هذه الطريقة؟ القرارات الاستثمارية غير المدروسة! إن اتخاذ القرارات الاستثمارية بناء على العشوائية أو بناء على التخمين الشخصي أو الشائعات أو حتى تأسيساً على ما يقوله الآخرون، يعني أنها قرارات غير حكيمة وأنك غير مستثمر. بكل صدق وحياد لن يجد المستثمرون من يقول لهم اخرجوا من السوق طالما أنكم لا تجيدون المضاربة أو حتى الاستثمار في السوق. الكل يقول يجب الوعي.. يجب التعلم.. يجب عدم الاعتماد على الشائعات، ولكن تكلفة التعلم هنا مكلفة جداً، قد تكلف الفرد كل ما يملك وربما حياته نتيجة الضغط العصبي. هل تريد أن تصبح مستثمراً؟ ينبغي أن تكون لك رؤية بعيدة المدى تتبلور من خلال استراتيجية واضحة لتعاملاتك في السوق، وليس عشوائية؛ فإما أن تجتهد في تعلم التقييم المالي للأسهم وإما أن توظف من ينوب عنك من سماسرة ووسطاء في القيام بذلك. مَن أنت؟ وما هدفك في السوق؟ هل أنت مضارب أم مستثمر؟ حيث يوجد اختلاف كبير بينهما؛ المضارب يرغب في تحقيق أرباح رأسمالية نتيجة ارتفاع سعر السهم، ولا يعول على عوائده، أما المستثمر فيرغب في الاحتفاظ بالأسهم ويهتم ويركز على عوائدها، ويعتبر مستوى المخاطرة هو الفارق الرئيسي بين المضارب والمستثمر، وينبغي أن يحدد كل مساهم في السوق هويته بناء على معايير محددة مثل مدى احتياجه إلى السيولة النقدية في محفظته والفترة الزمنية لهذا الاحتياج وأهدافه من الدخول في السوق.. هل يستهدف نمو رأس المال أم المحافظة عليه أم تحقيق عائد على رأس المال؟ بالتحديد يجب أن يحدد احتياجاته المالية والتزاماته أيضاً، بل ينبغي أن يحدد: هل هو يستثمر في السوق لتغطية نفقاته اليومية أم نفقات مؤسسته الشهرية أم للحصول على عائد خلال سنتين أم أن استثماره هو تخطيط لفترة تقاعده أم لتعليم أبنائه أم غيرها؟ إذا كنت تستهدف أن تكون مضارباً في السوق؟ ينبغي أن تعرف أولاً حدود حجم محفظتك؛ هل هي من النوع الصغير أم المتوسط أم كبيرة الحجم؟ ثم عليك أن تحدد إذا ما كنت مضارباً يومياً أم أسبوعياً أم غير ذلك؛ بمعنى هل تريد شراء السهم وبيعه في اليوم نفسه بسعر أعلى، وبذلك تجني أرباحك يومياً أم ماذا؟ بداية ينبغي الإجابة بوضوح بأن كل السوق اليوم ليس إلا للمضاربين اليوميين ولا يمكن الثقة بكيف سيكون الغد، ولا يمكن تأجيل جني الأرباح لمدى يفوق يوماً أو يومين أو ثلاثة؛ ومن ثم، فإن المضاربة الأقل مخاطرة هي تلك المضاربة التي لا تعتمد على استراتيجيات بعيدة أو متوسطة الأمد، بحيث لا تزيد على أسبوع، وإن كانت فترة أسبوع طويلة وتحتوي على مخاطرة مرتفعة جداً؛ وذلك نتيجة للمسار الهابط المتوقع بين حين وآخر (كما تشير إلى ذلك العديد من الكتابات). وعليه، فما على المضارب سوى ركوب موجات الصعود أو الارتداد، مع توخي الحذر في عدم الإقدام على عمليات شراء فورية عند نزول السوق (كما يشير أحد السماسرة)، بل ينبغي الانتظار فقد يكون للنزول بقية، وقد تجد السهم المراد شراؤه بسعر أقل. وهنا نقدم بعض النصائح المهمة خلال الفترة الحالية للمضاربين: 1 - فوات الربح خير من تجرع مرارة الخسارة والتعلق بأسعار عالية. 2 - الاحتفاظ بالأسهم الخاسرة هي الخسارة نفسها. 3 - عدم الاندفاع بكامل السيولة في الأجواء التشاؤمية التي تصحب موجات الهبوط. 4 - يجب معرفة أنه لا يمكن الشراء عند أدنى سعر للسهم، كما لا يمكن بيعه عند أعلى سعر، ولكن المهم هو تحديد مدى متوسط بين الأمرين. 5 - ينبغي عدم المضاربة في أكثر من سهم يومياً، ويفضل اختيار السهم ذي التداول الكبير. 6 - يجب عدم التقيد بسهم محدد عند الشراء؛ حيث يفضل تقصي أكثر القطاعات انخفاضاً في السوق، ثم تحديد أكثر الأسهم انخفاضاً داخل هذا القطاع؛ فالسهم الأكثر انخفاضاً نتيجة نزول السوق هو غالباً الأكثر ارتفاعاً عند صعود السوق. 7 - لا تنخدع بالعروض الكبيرة أو الطلبات الكبيرة ولا تبني عليها تحركات وشيكة للسهم، فقد تكون الكميات كبيرة ولكن السعر ساكن لأنها تدويرات.. فقط راقب كميات التنفيذ؛ فالعبرة في الكميات التي تؤثر في حركة السهم. اختيار الاستراتيجية المثلى للمضاربة في السوق؟ كبار المضاربين غير محتاجين إلى استراتيجيات لزيادة حجم أرباحهم؛ لأن لديهم نظريات وأساليب تفوق كل ما يتم تدريسه في الجامعات العالمية، ولكن ما يمكن قوله لكل متداول يزيد حجم محفظته على 50 مليون ريال إنه ينبغي أن يحافظ على دوره كأحد صناع السوق على الأقل في أحد الأسهم الصغيرة أو المتوسطة؛ فنسبة 10% من الأسهم في السوق تقل قيمتها السوقية عن مليار ريال، بل إن هذه الأسهم إذا فصلنا عنها أسهم الدولة، فإننا نتوصل إلى أن القيمة السوقية لعدد الأسهم الفعلية المتداولة في السوق ستكون أقل من القيمة المعلنة؛ وبالتالي هناك فرصة لكل صاحب محفظة استثمارية تزيد على 50 أو 100 مليون لأن يصبح صانعاً لسوق سهم معين.
* محلل اقتصادي ومالي -
Hassan14369@hotmail.com |
|
|
| |
|