| |
عالم الحِرَف بين فرص العمل وتقليل البطالة الحرفيات: بدأنا كهواية وصارت مهنة
|
|
* الرياض - الجزيرة: بين اعتبارها كجزء من ماضٍ حي، وبين عدِّها كعملية إحياءٍ للتراث تجد الحِرف رواجاً كبيراً بين الناس بمختلف شرائحهم ومستوياتهم الاجتماعية، وإذ تشهد المملكة هذه الفترة مهرجانها الأول للحِرَف والسياحة، نلتقي عدداً من الحرفيات في سبيل تسليط الضوء على عالم الحِرَف لما له من دور يُسهم في توفير فرص للعمل، وتقليل البطالة، وتحسين المستوى المعيشي العام. ومن منطلق أهمية قبيل هذه الصناعات - على الرغم من بساطتها - في تنمية الاقتصاد الوطني، برزت الحاجة لإيجاد صناعة حرفية وطنية منظمة، وقد سبق أن قدمت الهيئة العليا للسياحة بمشاركة وزارة العمل وعدد من جهات القطاع الخاص والعام مشروعاً وطنياً لتطوير الحرف والصناعات التقليدية.. على أمل تحقيق حلم عدد من الحرفيات اللاتي التقيناهن في إنشاء مركز خاص بهن تتولاه إحدى الجهات المسؤولة. ومن منطلق نسب المهنة إلى الهواية حيناً وإلى مهنةٍ تهدف للتكسب في أحيانٍ أخرى توضح لنا عدد من الحرفيات طبيعة الأمر بالنسبة إليهن. (أم راكان) التي تعمل في صناعة الحلي بالخرز الشعبي، أوضحت أن الأمر شدها بحكمه هواية فقط، إلا أن الأمر تحوّل إلى مهنة تتكسّب منها بحسب الطلبيات (التي ترد إليها من جميع الطبقات، عن طريق الهاتف، أو المهرجانات التي تشارك فيها)، بحسب وقت فراغها من مسؤولياتها الأسرية، ولا يخلو الأمر من بعض القطع التي تصنعها للاستخدام الشخصي. مهنة وهداية أمّا (أم علي) التي تعمل بأشغال الجلود على اختلاف تقنياتها، فتجد أن حِرْفَتها مهنة وهواية في الوقت نفسه، إذ إنها ما إن تبدأ بعمل ما حتى تركز عليه حتى ينتهي. كذلك هو الأمر مع (أم عادل) التي تعمل منتجات من السعف، و(أم تركي) التي تقوم بعمل بيوت الشَّعَر. سر الإقبال من منطلق أنّ المنتجات الشعبية تجد رواجاً كبيراً بين الصغار والكبار هذه الأيام سألنا (أم راكان) عن ذلك، وعن سرّ هذا الإقبال من وجهة نظرها، فتقول: هناك إقبال كبير، لأن الأشغال اليدوية تتوافر فيها الفن والذوق، فمثلاً أنا أقوم باستخدام خرز قديم يجد راغبات كثراً، إلى جانب الإضافات الجديدة، كما استخدم بعض التقنيات النادرة كطريقة (الحتو) التي تعتمد على نظم معقد بالإبرة. فالإقبال على التعلم كبير، حتى من الفتيات الصغيرات، وإن زميلات ابنتي في المدرسة يطلبن مني تعليمهن بعض التقنيات.. وإني لأتمنى توريث حِرْفَتي لابنتي، ولبنات هذا الجيل ليحسّوا بتعب أمهاتهن من جهة، وكي لا تندثر الحرف من جهة أخرى، ويبقى التراث حياً. وتخبرنا (أم راكان) عن طبيعة حِرْفتها فتقول: أنظم حلياً من أنواع مختلفة من الخرز الذي يتميز بندرة نوعيته، وأجيد الخياطة والتطريز، وطبخ المأكولات الشعبية، إلى جانب أشغال السدو التي تعلمتها من جدتي، وذلك من أجل تعليمها للآخرين، أكثر من اهتمامي بأعمال السدو، إلا أنني تركت الاشتغال بالمأكولات الشعبية بعد فترة بعدما شكّلتُ مع مجموعة من الحرفيات مجموعة تختص كل منا بشيء محدد، كالسجاد، وأشغال السعف، وخرز الجلود (كاستخدام جلد الغنم بعد تنظيفه في بعض الأشغال اليدوية)، والتطريز. إلا أن - وللأسف - الحِرَف نُسِيَت، فقد نسبت عدد من النساء كيف أن أمهاتنا قديماً تعلمن الخياطة وصناعة حليّهن البسيط من اللاشيء، والبحث عن الخرز من كل مكان، وتنتج أخيراً قطعاً فريدة من نوعها. كذلك (أم علي) التي ترى إقبالاً كبيراً من الناس، لغرابة نوعية الأعمال بالنسبة إليهم، وشعورهم بمدى التعب في صنعه. وحول طبيعة أعمالها تحديداً توضح لنا بأنها مهتمة بكل شيء شعبي تقريباً، كخَرْزِ الجلود، والشنف (صناعة البسط واللحف)، وتطريز الجلسات العربية، وصناعة العكاك (استخدام جلود الحيوانات)، والقربات، والعكّة (للسمن)، والصميل (للبن)، والمكحلات. وتضيف: تعلمت ذلك من جدتي، إذ توفيت أمي في صغري، وعلمتني العمل، ورغم تحضّر الحياة ما زلت أعمل فيها. أما (أم عادل) فتوضح أنها مهتمة ببيوت الشَّعَر (بالتعاون مع مجموعة من النساء)، وصنع السلال، والشنط، والمزاود التي توضع على ظهور الإبل، ومناظر شعبية تُعلّق على جدران البيوت، وإنما هذا كله تعلمته من أمها وجدتها، وتخصص لها وقتاً كبيراً تتفرغ فيه لممارسة عملها. أما (أم تركي) فتجد إقبالاً كبيراً، وتحديداً على (الزنابيل) التي تصنعها. وترى سر الإقبال عامة من باب حب التراث، وكون عدد من الجهات أصبحت تدعم هذه الصناعات بصفة عامة. الدخل المتحرك تحدثت الحرفيات عن دخلهن من المنتجات التي يصنعنها وتخبرنا (أم علي) أن الدخل يأتي أحياناً على قدر جهدي بالضبط، دون ربح حقيقي، خصوصاً أنّ بعض المواد التي أستخدمها غالية الثمن، وأحياناً يتفاوت الأمر بحسب المشتري. (أم تركي) ترى أن العائد رمزي جداً، ولا يفي بما تتطلبه حِرْفَتها، حتى إنها تعتمد على المكافآت التي تهبها المهرجانات التي تشارك فيها لتوفير متطلبات الحِرْفَة. كذلك هو الأمر مع (أم عادل)، إذ تقول: رغم كل الرواج والطلبات التي تتوافد من الأجانب والسعوديين، وبعضهم من ساكني البر، أجد الدخل قليلاً جداً مقارنة بالجهد، فإن كنا نتحصّل على 4 أو 6 آلاف لبيت الشَّعَر الواحد، فإن ذلك لا يوازي الجهد والزمن المبذول فيه.. رغم ما أقوم به من جهد - كما قالت أم راكان - يأتي العائد المادي أقل بكثير منه، فميدالية الخرز المتوسطة الحجم تستلزم أحياناً يومين من العمل، إلا أنّ سعرها لا يمكن أن يتجاوز الـ 5 أو 10 ريالات، خصوصاً ما تسببه محلات البضائع المخفضة (أبو ريالين) لبيعهم قطعاً مشابهة آلية الصنع بسعر أرخص، مع أن الحلية اليدوية أجود. وحول رغبتهن في توريث حِرَفهن لأبنائهن تخبرنا (أم علي) أن فكرة توريث حرفتها تعد أمنية بالنسبة إليها، لكن بعض ما تفعله من أشغال يصعب توريثه لاختلاف البيئة، كخرز الجلود، وما يسببه من روائح، ففي الوقت الذي كنا نشتغل بذلك في البر كان المكان يشتت الرائحة المزعجة، لكن اليوم في البيوت يصعب ذلك. إلا أن ذلك لا يمنع - كما تضيف - أنه يجب تعلّم الحِرَف لأنها من أساسيات الحياة، بغض النظر عن التوجه الدراسي لأبناء اليوم؛ لأن الحرفة أساس مهم. (أم تركي) تتمنى أن يتعلم أبناؤها شيئاً من الحِرَف، ورغم محاولة استمالتهم منذ أن كانوا أطفالاً لم تجد لديهم الرغبة في ذلك. أما (أم عادل) فتجد لذلك أهمية كبيرة - ولو بحد أدنى من الأعمال اليدوية - لمنع اندثار التراث، والقضاء على وقت الفراغ، أو العمل كمهنة تساند المرأة خصوصاً. المشاركات الرسمية وحول المشاركات الرسمية أخبرتنا الحرفيات بأنهن سبق وشاركن في عدد من المناسبات على مستويات مختلفة كحفل استقبال ملكة إسبانيا في زيارتها للمملكة، واستقبال الوفد البريطاني، والجنادرية، ومركز الأمير سلمان، ومعرض النماء والانتماء في احتفالات الدائري الشرقي، ومهرجان التراث والحِرَف اليدوية الأول والثاني، وما يزيد على الـ 30 فعالية في المدارس، والكليات، ومركز الملك عبد العزيز التاريخي. وحول علاقتهنّ بالجهات المسؤولة وهل سبق أن قصدن إحدى الجهات لتدعم أنشطتهن؟ أخبرتنا (أم راكان) باسم زميلات المهنة: إننا بالتأكيد نتأمل كل الخير من الجهات المسؤولة رغم أنني لم يسبق أن قصدنا أي جهة محددة، إلا أنني نؤكد عبركم على المطالبة بمركز خاص للحرفيات. وكلنا أمل في الدولة التي تدعم المرأة، وتشجعها على العمل، وكسب رزقها بجهدها.
|
|
|
| |
|