| |
أريد أن أعرف هذا الرجل يا حماد
|
|
أود أن أعقب على ما قاله وكتبه الأستاذ حماد السالمي، في زاويته يوم الأحد 14-10-1427هـ (جاء العيد فلم يجدهم)، يتحدث عن زملاء وأقارب وأحبة كانوا معه في السنين الماضية وفي هذا العيد عندما تذكرهم وأخذ يعود بذاكرته إلى الوراء لم يجدهم؛ لأن هادم اللذات اختطفهم.. أقول له: ليس أنت وحدك يا حماد، بل هذه سنة الحياة في كل مناسبة (عيد)، عندما أسمع كلمة يرددها البعض (الله يرحم من لا عاد عليه)، أتوقف عند هذه الكلمة ومدلولها، وفعلا كان معنا أناس حضروا العيد معنا أعواما سابقة، وهذا العيد لم يحضروه معنا لأن الموت اختطفهم قبل العيد، وبعضهم بساعات قليلة؛ لأن أعمارنا محدودة، وهذا طبع الحياة وسنتها، لن تتغير، ولن تختلف مهما طالت فينا السنون والأيام.. فقدنا الكثير من الزملاء والأقارب ومن لنا بهم علاقات قوية، كنا نظن أنهم لن يفارقونا ولكن يأتي مفرق الجماعات ويأخذهم بلا عودة، ويأتي من بعدهم العيد ويذكرنا بهم؛ لأن رحلتهم كانت معنا طويلة ولكنها خلال لحظات انتهت وبدؤوا رحلة أخروية جديدة، أما رحلة الدنيا فهي محدودة ولا بد أن تنتهي ويتوقف مشوارها ذو المتاعب والمشاق والصعاب.. رحلة كانت أيامها مرة تضحك بوجوهنا ومرة أخرى تكشر أنيابها في وجوهنا، من منا لم يذق ذلك؟ هل يوجد بيننا رجل لم يذق صعوبة مشوار الحياة الدنيا؟؟ إن كان هناك رجل يقول ذلك فإنني أريد التعرف عليه حتى أسلك مسلكه.. إنني أريد الوصول إلى هذا الرجل ولو كان في أقصى أقطار العالم، ولو كان يحول بيني وبينه المحيطات والبحار من أجل أن أعرف كيف استطاع أن يرافق الأيام كل هذا المشوار ولم تخنه. هذه الحياة فيها ابتلاءات من الرب جلا وعلا وفيها صعاب وفيها شظف العيش أحيانا وقساوته، وفيها من يصبر ومن لا يستطيع الصبر، ولن تجد أحدا إلا وأذاقته مراراتها وصعوبة أيامها، هذه الحياة أوجدنا فيها وكنا نظن ونحن أطفال صغار أنها سهلة لأن بدايتها كانت ممتعة وصباها كان جميلا وكان سهلا للغاية لا يقسو علينا شيء فيها أبدا، ولكن بعد ذلك كانت تخبئ لنا رحلة شاقة جدا وأياما صعبة، أخذتنا ورمتنا وسط ذلك الطريق الذي لزاما على من أراد هذا المشوار أن يسلكه، وهذا الطريق لا يوجد فيه مقعد مريح على سيارة فارهة، بل هو طريق متعرج وملتوٍ، مرة هكذا ومرة أخرى هكذا حتى يصل بنا إلى النهاية الحتمية التي كتبت على كل أبناء حواء وآدم، كتبت عليهم وهم في بطون أمهاتهم. يقول حماد السالمي في مقالته المذكورة (عشت مفاجأة حقيقية ليلة العيد)، ويضيف بقوله (إن هذه الأيام تدور وتدور، وهي تنحت في أعمارنا وتدمي جراحنا وتفرق اجتماعنا وتبعد أحبابنا وتقرب أحزاننا..)، وأنا أقول: قولك صحيح يا حماد، ولكن من أين لنا مخرج ومن أين لنا مفر إذا كان ذلك كتب علينا ولا بد لنا أن نعيشه؟ ماذا نريد من الأيام أن تزفه لنا ومن سبقونا أذاقتهم أصعب مما أذاقتنا؟ كل أمل بأن أصل إلى ذلك الرجل الذي لم تذقه الأيام قساوتها ولم تصفعه بصفعاتها القوية. ليلة العيد كنت أشاهد الكثير يحجز صوالين الحلاقة لأن غدا يوم عيد وغدا فرح واجتماع للجميع.. ولكن هل نسينا من كانوا معنا في الأعوام الماضية؟ وهل نسينا أنهم كانوا يتبادلون التهاني بالعيد والآن هم تحت الثرى وبين الجنادل يسكنون؟؟ هكذا هي أيامنا ما بين فرح وترح وضحك وبكاء واجتماع وفراق، حتى يقضي الله أمراً كان مفعولاً، ولكن الذاكرة تحتفظ بتلك الوجوه وتلك الأسماء التي عاشت معنا عمراً طويل وبعدها رحلوا وتركونا في دنيا الزوال والفناء.. وصدق الله القائل في كتابه العزيز {وَتِلْكَ الأيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ}.. الأيام دول يا أستاذي القدير، والأعمار محدودة والأيام حبلى بكل ما يكدر، فلا تحزن ولا تبقى أسيرا لكل ماضٍ، بل العمر هو السعة التي نعيشها.
مناور بن صالح الجهني /الأرطاوية
|
|
|
| |
|