| |
استشهاد أميمة خطأ
|
|
تحت عنوان: (السفارة في العمارة) كتبت الأستاذة أميمة الخميس في عدد الجزيرة رقم 12453 الصادر يوم الخميس الحادي عشر من شوال لعام 1427هـ الموافق الثاني من نوفمبر 2006م مقالاً تحدثت فيه عن واقعية التعامل مع الظروف المحيطة بنا بين الرفض والقبول، مؤكدة على أننا أحياناً ننزع إلى رفض الآخر بينما الواقع القائم يخالفنا برمته، مشيرة إلى أن السبب يعود إلى أننا شعوب مستهلكة لكل ما يصب في أسواقنا من بضائع، والمشكلة أن المسألة لا تتوقف عند هذا الحد، فتلك البضائع تأتي إلينا بخلفيات فكرية واعتبارات ثقافية للبلد أو العالم الذي أنتجها، والحال ينسحب على طلبتنا الذين يغتربون في أحضان الجامعات الغربية حيث يتأثرون بالنظم الحياتية والأساليب العلمية والأنماط الثقافية لذلك العالم، الأمر الذي يؤثر على تصوراتهم الحياتية وحكمهم على الواقع المحلي. وهنا أجد نفسي متفقاً نوعاً ما مع الفكرة العامة لمقالة الأستاذة أميمة، وإن كنت أود التعليق على ثلاث مسائل.. الأولى استشهادها بالفيلم السينمائي (السفارة في العمارة) الذي يحكي قصة مواطن مصري عاد من الخليج بعد 20 سنة فيكتشف أن جاره في العمارة هو السفير الإسرائيلي، حيث رأت الكاتبة أن أحداثه كانت تدور حول مفارقة رفضنا لواقع مرير لكنه قائم ومستتب ومكتمل من حولنا، وهذا برأيي استشهاد في الخانة الخطأ بل جاء بشكلٍ معاكس تماماً لمقصد الكاتبة، ففكرة الفيلم تقوم على ما يسمى بالسلام بين إسرائيل وبعض الدول العربية هو (سلام حكومات) وليس سلام شعوب، فالشعب المصري ظهر في الفيلم أنه ضد ذلك السلام حتى في أبسط تفاصيله الشعبية، أي أن السائد أو الواقع بلغة الكاتبة أميمة، كان مع رفض السفير ومشروع السلام بشكلٍ عام. المسألة الثانية.. تساؤل الكاتبة حول الطوفان المعرفي والثورة المعلوماتية بما فيها الإنترنت، قائلة (ألا يشكل اختراقاً لجميع الحجب الكثيفة التي نحاول أن نرفع في وجه العالم من حولنا تحت أوهام كمالنا وطهرانيتنا، كما قالت: لكن على المستوى المحلي نجد أن المملكة ظلت ترسل منذ نهاية الخمسينيات إلى يومنا الحاضر أفواجاً متتالية إلى الخارج تلك السنوات التي يقضيها الطلبة بين مؤسسات الغرب التعليمية.. حتى قالت: إن المعلومة لا تدخل عقل الطالب هكذا مفرغة من حمولتها الثقافية والفكرية والنمط الحضاري الذي انتجها بل هي تتغلغل في الذهن.. إلى آخره. وهنا يبدو لي أن الأستاذة أميمة قد سلكت نفس الطريق الذي يسلكه البعض في محاولة فهم علاقتنا بالآخر المتحكم بالمركب الحضاري والمصدر منتجاته إلينا! عندما يخلطون بين (الخصوصية الإسلامية) التي تتعلق بأمور لا يمكن التنازل عنها أو المساواة عليها وبين (المشترك الإنساني) وهو ما يعني كل مجال أو منتج يمكن الاستفادة منه وأخذه والعمل به! الأمر الذي يسمح بأن نأخذ من الحضارة الغربية كل ما يرفع رصيدنا الحضاري ويعزز أوجه المدنية لدينا سواء في الاقتصاد أو السياسة أو الإعلام أو حتى نظم التعليم، وكوننا (أقواماً استهلاكية) فهذا لا يعني أن نتهاون في حصانتنا الثقافية أو مرجعيتنا الفكرية في التعامل مع المنتج الحضاري، فنقبل ما يقع بين أيدينا بحجة عدم رفض الآخر لأنه هو الواقع! أما المسألة الثالثة والأخيرة فخلاصة مقال الكاتبة أنها ترمي إلى أننا كأمة مخترقة من الآخر سواء على صعيد المعلومة أو مستوى التعليم فليس هناك حاجة إلى أن تلجأ سفارات الآخر إلى علاقات مع بعضنا، وهي بهذا تستخف بتلك التهم التي تقول بالولاء للسفارات أو التي ترمي بتهم العمالة، وهذا غير صحيح، فالواقع أننا (أمة مهزومة) حضارياً ولكن لم نخترق فكرياً على الرغم من التيارات الفكرية والمذاهب الفلسفية التي اجتاحت الأمة، التي ما زالت متماسكة في موقفها الفكري من الآخر بتمسكها بدينها الذي يمثل المنهاج الحقيقي لها وبحكم خيار الجماهير التي ما زالت ترفض كل فكر مغاير لا ينطلق من ثقافة مجتمعها! لأجل ذلك ولترويج الفكر الغربي بقيمه ومفاهيمه تلجأ الأمم والدول الأخرى لما هو أكبر وأكثر فاعلية من السفارات.
محمد بن عيسى الكنعان
|
|
|
| |
|