| |
مدرسة الغافقي بعنيزة وحارتنا وذكرى ثلاثين عاماً سعد بن محمد المسمى/ عنيزة
|
|
بيني وبين مدرسة الغافقي ذكرى قديمة وجميلة، فها أنا أعود إليها معلما بعدما كنت طالبا فيها قبل ثلاثين عاما. فقد درست فيها المرحلة الابتدائية وأحمل لكثير من معلميها الفضل علي وعلى أبناء جيلي. اليوم أدخلها معلما وأسترجع ذكريات الأمس البعيد، ما أشبه الليلة بالبارحة، تذكرت فيها أيام الصبا، عاد بي شريط الذكريات إلى أوائل التسعينات الهجرية، كان للمكان هيبة، كل شيء كان فيها كبيرا. تذكرت مقصفها وكوب الشاي أبو قرشين الذي لا يشتريه إلا ميسورو الحال من الطلاب، أما البقية فثلاجة الشاي (أم غطاء فلين) التي نتحلق حولها في الفسحة الطويلة، يحضرها يوميا واحد منا والبقية يدخلون بالبركة.. هنا يقف طالب معه خبزة فيها فول، وهذا طالب دهن الخبزة بالتمر متباهيا على أنه عسل. تذكرت التغذية المدرسية تغذية (أبو الجدايل) ومشاجراتنا حول علب الحليب التي يحاول الكبار الاستئثار بها لإطعام كلابهم المستمتعة بدفء الأثل. في كل زاوية من الغافقي لي معها حكاية.. هنا كنا نصلي الظهر منتظرين من سيعاقب من الطلاب بجرم اكتشافه يدخن أثناء الفسح بقايا سيجارة في دورات المياه. على هذه الربوة مسرحها الذي كان له نكهة خاصة: مسابقات، ومنولوجات، ومسرحيات.. وفي ملعبها كان فريق الرياضة يختطف الكؤوس، ونحن نردد من خلفه (تحيا البحيرية - تحيا البحيرية) البحيرية اسم المدرسة قديما. على هذا الجدار علقنا صحيفتنا الحائطية (المنهل) التي نقشناها بأيدينا ونحن في الصف الثالث!!. في هذه الزاوية شاركت بأول إذاعة صباحية.. لم أستطيع ذلك اليوم مسك الورقة من الخوف، ولم أنم ليلة البارحة أنتظر الصباح. ها هي الغافقي تنام هادئة بين أشجار النخيل بعدما كانت تستقبل المئات من الطلاب كأنهم يعاسيب النحل كل صباح!. ذكر الله تلك الأيام بكل خير.. وقفت عند باب المدرسة، فإذا بي أشاهد بيتنا الطيني يقف شامخا ووحيدا من خلف عسبان النخيل، أخذني الحنين وسارت قدماي إلى منزلنا.. وقفت أمام بابه الذي أثقلته الأيام، دلفت إلى الداخل.. يا الله كم هو صغير، هل من المعقول أن هذا المنزل بغرفه الصغيرة كان يتحمل شقاوتنا نحن وأبناء الجيران؟. خرجت من المنزل إلى شوارع حارتنا (حارة أم شان)، تذكرت تلك الأيام التي كانت الشوارع مكتظة بالأصدقاء يلعبون ويمرحون، كحال جميع حارات عنيزة في ذلك الوقت. في هذا المسجد صلينا وذاكرنا وقت الامتحانات، هنا كنا نلعب برجون وكعابة وصيد الحمام وسبع الحجر، لرمضان نكهة في حارتنا خاصة ليلة (المساوق) قبل العيد. هذه بقالة الببسي والمشن والكراش المغطى بالخياش لكي يبرد.. من هذا المنزل كنا نشتري (عسكريم فيمتو) آيسكريم أبو قرشين. بجوار برادة المسجد كان اجتماعنا لنتسامر بعد كل صلاة، في هذا الملعب كوّنا فريقا يمثل أبناء الحارة، تنافسنا على كل شيء وعلى لا شيء!. هنا كان (صندوق البليلا) الذي تملكه بنت الجيران والذي كان يتعرض للسطو خاصة قارورة الشطة. في هذه المزرعة تعلمنا السباحة وتسلقنا النخيل ولم نسلم من عصي الفلاح.. هنا ضحكنا، وهنا بكينا، وهنا تشاجرنا.. وفي نفس المكان تسامحنا وتصافينا!.. هنا كنا، وهنا كنا... هنا رسمنا أجمل لوحة لأجمل مراحل العمر.. ما أحلى تلك الأيام.
|
|
|
| |
|