| |
العلاقة بين الإرهاب والبيئة الاجتماعية د. وحيد بن حمزة عبد الله هاشم
|
|
السؤال المطروح حالياً على جميع المتنمين والمنتميات إلى المجتمعات الإسلامية هو ذات السؤال المطروح على المجتمع الدولي بأكمله: هل حقاً أن الإرهاب نتاج لمخرجات البيئة الاجتماعية خصوصاً تلك التي تتسم بتسلطها على الفرد وربما على الجماعة؟ أم أن الإرهاب نتيجة حتمية لضعف البيئة الاجتماعية وتراخيها عن مراقبة الفرد وتطويعه في ثقافتها واحتوائه وتلبية احتياجاته الضرورية في هياكلها ومن ثم منحه مطالبه الأساسية؟ تلك الأسئلة تخضع منذ زمن بعيد للدراسات الكمية والنوعية ولعمليات التحليل العامة والخاصة ومع هذا اختلفت النتائج ومعها تباينت الإجابات الدقيقة من مجتمع لمجتمع تبعاً لاختلاف الظروف والمكونات والتركيبات والمكونات الإنسانية ولاختلاف العوامل الداخلية والخارجية المؤثِّرة في اتجاهات حركة المجتمع الإنساني وفي ردود أفعاله تجاه العالم الخارجي، (بل تجاه حركة الذات) سواء سلباً أو إيجاباً. لكن بصفة عامة يمكن القول إن العنف بجميع أشكاله وأنواعه ومستوياته نتاج لتفاعلات المجتمع الداخلية وأيضاً كرد فعل لتفاعلاته مع البيئة الخارجية. الأسباب الداخلية عديدة لا حصر لها تتصدرها المشاعر النفسية السلبية التي تعد نتاجاً لغياب العدالة وانتشار الظلم، أو كرد فعل طبيعي لحركة كمون نفسي سلبية تراكمت بفعل عمليات الاحتقان النفسي بعد أن تشحن في العقول الشابة معلومات خاطئة ومضللة أو معلومات كاذبة ومشوهة. ومع الأسف الشديد فإن عالم اليوم يعاني من تنوع مستويات الكمون السياسي والاجتماعي والاقتصادي نظراً لغياب العدالة الإنسانية ولتعدد مصادر التحديات الداخلية والخارجية، الأمر الذي ينمي من حركة التململ الإنساني أو الحركة السلبية الاجتماعية والسياسية خصوصاً مؤثراتها السلبية في مشاعر الولاء والانتماء للنسق الاجتماعي. ولكون العالم أصبح قرية صغيرة يصعب فيها إخفاء معلومة، أو الطمس على الحقائق أو تغييب بعض من الأفكار، أو قمع بعض من الآراء، أو حتى حجب بعض من التصورات، فإن هذه السياسات لا يمكن أن تؤدي في العالم المنفتح هذا إلا إلى المزيد من التطرف والغلو والتشدد. الخطورة تكمن في سلبيات ومتاهات ارتداد الفكر الجاهل، وأيضاً في تذبذب سلوكياته وفشله في القدرة على الرؤية الصحيحة التي تضخم من عدم قدرته الاستدلال على مسار الطريق الوطني أو الإسلامي الصحيح. ومن الجانب الآخر، وبذات المنطق فإن الشفافية والانفتاح في الحوار وتقبل الاختلافات من الطبيعي أن تسقط أقنعة المزايدين والمغالين والمدعين، وبالطبع كثير من أقنعة المتطرفين، خصوصاً ممن يعانون (لأسباب ذاتية) من ضعف في البنية الشخصية الفكرية وفي الوعي الإنساني والإرادة السليمة. إن أخطر ما تواجهه المجتمعات الإنسانية هو ممارسة البعض ممن ينتمون إلى جوقة صناعة القرارات لسياسة الانفراد والتسلط والركون إلى توجيهات الفكر الأحادي الذي مآله ارتكاب الأخطاء واستمرار الوقوع فيها، فخطر الجهالة السياسية لا يقل خطورة عن مخاطر الجهل العقائدي، أو الإيديولوجي ناهيك عن الجهل الأمني، جميعها تحرص على ركوب موجات النفاق الاجتماعي أو السياسي، العقدي أو الإيديولوجي، أو حتى النفاق الأكاديمي... مع الأسف الشديد من أجل حفنة من المصالح أو من المادة، أو من أجل ثلة من الغايات، أو بفعل ضغوط بعض من النزوات الخاصة. إنها معادلة إنسانية على المستوى الفردي، واجتماعية على المستوى الاجتماعي لكنها معادلة متصلة ومتواصلة، بمعنى أن منظومة الاستقرار الاجتماعي التي تحاول القوى الإرهابية ضربها في الصميم من خلال تقويض دعامة الأمن الاجتماعي لا يمكن أن تنهار أو تصاب في الصميم، بل يستحيل تدميرها بأي وسيلة كانت لأنها ترتبط كلية بمصير المجتمع كل المجتمع. لذا فإن الحرب الوطنية أولاً ومن ثم الحرب الإقليمية والعالمية على الإرهاب حرب شاملة ومتكاملة ومتواصلة لكونها باتت ملحمة إنسانية وغدت قضية مصيرية وتحدياً إستراتيجياً لا بد أن تنتصر فيها قوى الحق على قوى الباطل خصوصاً ممن ينتمون إلى جوقة العملاء والمأجورين من عناصر الطوابير الإرهابية الخامسة. ومع هذا يجدر بنا القول إنه من غير الإنصاف، بل ليس من العدل إطلاق الأحكام المطلقة أو التجرؤ بالتعميم الجائر على المجتمع كل المجتمع من سلوكيات حفنة متطرفة أو عمليات فئة إرهابية قليلة تقع جميعها في حكم النشاز من حيث الفكر والمعتقد، وتتقوقع برمتها في حكم الشواذ من حيث الفعل والمسلك. بيد أن هذه الأسئلة ضرورية إن لم تكن ملحة في ظل ما يجري في الوقت الراهن من تطرف فكري ومذهبي وعقدي ساهم في ارتفاع نسبة المروق الإرهابي على الفضيلة وعلى العدالة الإنسانية التي يمثّلها الإسلام، فعالم اليوم يختلف تماماً عن عالم الأمس، والاختلاف لا يكمن وحسب في النواحي الفكرية والعقدية الكمية أو النوعية وإنما في تعدد وتنوع بؤر الكمون النفسي والاجتماعي الخطيرة التي قد تتحول إلى مشاعر عنف ومن ثم تتفجر في أشكال متنوّعة من السلوكيات المرعبة بفعل هيمنة بيئة العنف والتشدد والتطرف على عقول البعض ممن ينتمون لمعسكرات الخواء والشذوذ الفكري.
|
|
|
| |
|