| |
أمريكا.. من المثالية إلى الواقعية
|
|
الحديث عن المثالية والواقعية في السياسة احتل مساحة كبيرة في الأدبيات السياسية التي تناولت الموضوع بالتنظير والتحليل، وما يجب أن يكون أو لا يكون. وما يجري في الساحة الأمريكية يمكن أن يعطي صورة مقربة عن الصراع بين النظرتين تجاه القضايا المختلفة؛ فعهد المحافظين الجدد الذين وجدوا لهم مواقع مؤثرة في إدارة الرئيس جورج بوش يعتبر عهد التطبيق للمثالية والقيم السياسية المعيارية التي يؤمن بها صناع القرار هناك، وعهد البعد عن الواقعية أو البراغماتية التي عادة ما تفرضها السياسة على القادة، وتتطلب منهم مرونة وقدرة على التعامل معها؛ فأمريكا في السنوات الأخيرة اتجهت نحو استغلال القوة لفرض قيم خاصة بأصحابها، وخاصة بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر 2001 التي أوجدت الذريعة الكبرى لليمينيين كي يطبقوا القيم التي يؤمنون بها. وكان الحديث عن الشرق الأوسط الديمقراطي وتغيير الأنظمة السياسية وفرض القيم الأمريكية على الآخرين، هو الخطاب السائد حول الشرق الأوسط، ومن يتابع المقالات التي يكتبها مستشارو الرئيس بوش في الصحف، وخطابات الرئيس بوش ونائبه ديك تشيني ووزير الدفاع رامسفيلد يلاحظ جمود هذا الخطاب وإصراره على تكرار نفس الجمل المتعلقة بنقل العالم من التخلف إلى الحضارة وفق رؤية المحافظين الجدد. هذه الرؤية الضيقة والمتعالية لم يقتنع بها غالبية الأمريكيين بعد احتلال العراق ومقتل أكثر من خمسمائة ألف عراقي وثلاثة آلاف جندي أمريكي، ووقوف العراق على حافة الحرب الأهلية، وزيادة خطر الإرهاب، كما أفادت بعض التقارير، فضلاً عن تواضع الأداء في أفغانستان وبقاء المعارك بين قوات الناتو ومقاتلي طالبان ما بين كرّ وفرّ، وعدم حسمها، والفشل الذريع في التعامل مع كوريا الشمالية وإيران؛ ولذلك كانت انتخابات الكونجرس الأخيرة اختباراً حقيقياً للإدارة الأمريكية ومقياساً لمدى نجاح نظرتها المثالية للقضايا. وقد سقط المحافظون الجدد في هذا الاختبار، لصالح الديمقراطيين، وكانت من أولى نتائج هذا السقوط، استقالة أو إقالة رامسفيلد، وحديث بوش عن نظرة جديدة، ورغبة في التعامل مع النواب الديمقراطيين. وهذا قد يعني عودة بوش عن المستشارين اليمينيين الذين يوصفون بأنهم متطرفون، والاتجاه نحو الواقعية، والتعامل مع القضايا السياسية، وخاصة الدولية، وفق منظور الممكن. وربما يكون الاتجاه الجديد قادراً على إصلاح أخطاء الماضي، وتلافي أخطاء مماثلة مستقبلاً. وما يهمّ المنطقة هنا من هذا كله تأثير هذا التغير على الوضع في العراق، والتعامل مع الملفات السياسية الساخنة بطريقة ربما تكون أفضل كالملف النووي الإيراني، والملف السوري - اللبناني، وأهم من ذلك كله القضية الفلسطينية.
|
|
|
| |
|