| |
مع ديوان الأنصاريات عبد الله بن حمد الحقيل
|
|
أتحفني الصديق الكريم الأستاذ زهير بن نبيه بن عبد القدوس الأنصاري صاحب ورئيس تحرير مجلة المنهل بالطبعة الثالثة لديوان (الأنصاريات) شعر الأستاذ الأديب المرحوم عبد القدوس الأنصاري، مؤسس مجلة المنهل وقد أعادت المجلة إصداره في طبعة ثالثة أنيقة، لقد عرف الأستاذ عبد القدوس الأنصاري أديبا فذاً وباحثاً ضليعاً ولغوياً بليغاً ومؤرخاً متمكناً وصحافياً ناجحاً، ولكنه لم يعرف كشاعر نظراً لقلة شعره. ولقد كانت معرفتي بالشيخ عبد القدوس منذ عام 1385هـ، وكان يتمتع بشخصية رائدة في كل النواحي، وقد فتح لي صدر مجلته الغراء فنشرت الكثير من رحلاتي وإنتاجي على صفحاتها، ومازلت بفضل الله، مستمراً معها حتى الآن. ولقد أمضيت وقتاً ممتعاً في مطالعة هذا الديوان وما يحتويه من ضروب الشعر وما يصطبغ به من صيغ أصلية تعتمد التراث أساسا لها، ولقد ضم الديوان من شعر الأنصاري (العقيقات.. والتأملات.. والسياسيات.. والوصفيات.. والغزليات.. والأخوانيات.. والفكاهيات). إن شعره يمثل الأصالة بكل جوانبها في الجانب الفني والجانب الفكري والإبداعي إلى جانب محافظته على قوة السبك ونصاعة الديباجة واللغة الشعرية المتماسكة ومنطق سديد وجمال تعبير تجلى ذلك في قصائد الوصف والتأمل والتجارب الوجدانية. إن تلك القصائد تعطي تأثيرها في الوجدان، ولا غرو فالشيخ عبد القدوس الأنصاري من أعلام الأدب، وأحد فرسان الفكر الذين تزدهر بهم الحركة الأدبية والشعرية، وقد شارك في اليقظة الفكرية في الحياة المعاصرة. وقصائد تجسد وتمثل حقبة من حقب الحركة الفكرية وخاصة في فن الشعر، وكم تحوي تلك القصائد من لفظ رائع وطاقة لغوية وتأنق وجمال وقوة صياغة ورباط عضوي محكم، وتصوير دقيق. لقد نشرت تلك القصائد في مجلة (المنهل) في فترات متقطعة من السنوات الأولى لهذه المجلة العريقة التي صدرت عام 1355هـ وهي مجلة تعنى بالأدب والثقافة والعلم والتاريخ والاجتماع والرحلات، وتعد أقدم مجلة أدبية في المملكة العربية السعودية وأدت دوراً رائداً في احتضان الأقلام الشابة الموهوبة، وعرفت بهم في العالم العربي، ونشرت الإنتاج الأدبي السعودي. إن ديوان (الأنصاريات) يمتاز برقة الألفاظ وموسيقية الإيقاع ومزج القديم بالحديث، وابراز ثقافة الأنصاري اللغوية والتاريخية التي هي من أهم ملامح شخصيته المبدعة. ان الديوان يحوي الكثير من القصائد، ولقد وقفت معه على وادي العقيق وتصورته - رحمه الله - وهو يجلس وحيداً على ضفة هذا الوادي التاريخي، حيث يناجي عبر التاريخ ويتأمل منه روعة الحاضر ويستلهم جماله الناضر الأخاذ، ولعل المنظر البهيج الفاتن أوحى إليه بفيض من وحي العقيق حيث يقول: هذا العقيق وقد همى متبسماً طلق المحيا شادياً بسروره وتراه في لئلائه متدفقاً ينساب بين سهوله ووعوره تتكسر الأمواج فوق صخوره فتئن من تأثيره وعبوره وتهب من جنباته نسماته فتفوح عطراً منعشاً بعبيره والشمس تغضي طرفها مفتونة بجماله الخلاب في تصويره وهي قصيدة طويلة يصف فيها هذا الوادي الواسع الجميل وما يوحي به من ذكريات المجد والتاريخ شادياً بجميل القول مستعرضا التراث الأدبي القديم. ان الفطرة الأدبية والموهبة الأصلية تتجلى في قصائد الديوان وتتضح في معظم قصائده، ولعل من أبرز سماته أن نقول انه شعر جزل قوي الدلالة والجرس والأصداء الذاتية والغنائية الجميلة، فهو يحمل موهبة وقريحة وشاعرية تلبي ما يجول في الخاطر ويجيش في الوجدان. وصفوة القول ان ما سقناه عن شاعرنا وديوانه يعد قطرة من بحر وروضاً من زهر فقد ملأ الحياة الأدبية عطاء وفكراً مخصباً غزيراً وأن آثاره الفكرية والأدبية متعددة المجالات والمحاور وقد طرحها فيما ترك من الكتب والأسفار العديدة فقد أعطى حياته كاملة للأدب والتاريخ والنقد والشعر والبحث العلمي والآثار، وأثرى المكتبة السعودية بفيض من عطائه الفكري طيلة نصف قرن.
|
|
|
| |
|