أحياناً تختلط الأشياء ويمتزج بعضها ببعضها الآخر، ويصعب تخليص الطيب من الرديء منها. والذي له رؤية ويمتلك الحكمة يستطيع معرفة فعل كل شيء على حدة بتمييزه بلونه أو شكله.
روي أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال لشاعره حسان بن ثابت رضي الله عنه: (ما يمنع القوم الذين نصروا رسول الله بسلاحهم أن ينصروه بألسنتهم، فقال حسان: أنا هنا لها وأخذ بطرف لسانه وقال: والله ما يسرني به مقول بين بصرى وصنعاء. قال رسول الله: كيف تهجوهم وأنا منهم؟ وكيف تهجو أبا سفيان وهو ابن عمي؟! فقال: والله لأسلّنك منهم كما تسل الشعرة من العجين)(1).
وهذا تصوير في منتهى الدقة لواقع تصرف الحكيم في تخليص الطيب من الرديء.
ولربما نظر شاعر الحكمة أبو الطيب المتنبي إلى قول حسان بن ثابت حينما امتدح سيف الدولة الحمداني في معرض قصيدته التي رثى بها أم سيف الدولة، وقال في أحد أبياتها: إن تَفوِّقك - بتشديد الواو - على الناس الذين أنت واحد منهم أشبه بالمسك الذي يستخلص من دم الغزال، إذ يروى أن هناك نوعاً من الغزلان يستخلص المسك من دمه.
يقول المتنبي في بيته الذي يحسبه كثير من النقاد من نوادر الأبيات لما فيه مما يشبه الالتفاتة لقول حسان بن ثابت - رضي الله عنه - كما أسلفت في معنى تخليص الطيب من الرديء: