| |
جامعاتنا والجودة النوعية د. فوزية عبد الله أبو خالد
|
|
دون أن أكون بحاجة لأن أقدم للقارئ أي قراءة تحليلية للموقف فما أن نشر الخبر القائل (حصلت الجامعات السعودية على المرتبة 2989 من أصل ثلاثة آلاف جامعة عالمية في التصنيف الدولي مؤخرا ولم يأت بعدها سوى الصومال وجيبوتي ولم تتمكن أي جامعة سعودية من دخول المنافسة لاختيار 500 جامعة بالعالم) سواء عبر الصحافة الورقية أو المواقع الإلكترونية أو رسائل الجوال إلا وانهالت علي ولا بد على غيري من الأكاديميين والكتاب العديد من الاتصالات الهاتفية والبريدية الإلكترونية من قبل الصحافة والإذاعات الغربية تسأل عن موقفنا من الخبر وأين يذهب مدخول الذهب الأسود - البترول إذا كان هذا هو حال الجامعات وهي واحدة من أشد القطاعات حيوية في مجال التنمية البشرية والاجتماعية والاقتصادية والمعرفية للمجتمع السعودي. وعلى توقعي أن بعض تلك الأسئلة قد جاء بفضول بريء وربما جاء بعضها الآخر بموضوعية تعود لتقدير الثقل السياسي للمملكة العربية السعودية كدولة تقع في قلب العالم الإسلامي إلا أن دافع بعضها قد لا ينزه عن محاولة الإحراج وتسليط الضوء على بعض المواقف أو المآزق أو الأزمات التي قد تواجه المملكة مثلها مثل الكثير من المجتمعات الأخرى، فإنني قد حاولت التعامل مع من وجه تلك الأسئلة بكثير من الدبلوماسية دون أن يبدو موقفي نعاميا أو متعاميا. أما وقد حان موعد كتابة مقالي الأسبوعي فلن أستطع إلا أن أضع بين يد كل من تشغله بل وتقض مضجعه من المواطنين والمسؤولين مثل تلك النتيجة المتعلقة بمستوى الجامعات لدينا بعض ما قد يكون من أسباب تلك النتيجة الفاجعة، إن صحت، وبعض مرئيات معالجتها، وإن كان تجاوز مثل تلك النتيجة يحتاج لحلول جذرية وليس لمجرد مقترحات، على أنه ربما يمكن لبصيص بسيط أن يكيد للظلام. مع ملاحظة أن الكثير من هذه المرئيات يجري طرحه همسا حينا وجهارا نهارا أحيانا في العديد من مؤسسات التعليم الجامعي. وإن كان الكثير منه يأتي كتعبير عن واقع أوضاع هيئة التدريس في أقسام الطالبات - الطلاب للعلوم الإنسانية في عدد من جامعاتنا إلا أنه كاف ليعكس بعض من الجوانب الأخرى للواقع لمختلف التخصصات، كما أنه كاف ليعكس بعض المطالب العاجلة لتحقيق مستوى من الجودة النوعية يرفع أو على الأقل يخفف عن جامعاتنا وطأة تلك النتيجة الجارحة. أولاً: صورة مختصرة لبعض واقع أقسام العلوم الإنسانية: 1- ارتفاع العبء التدريسي الكبير خاصة للمحاضرين والأستاذ المساعد حيث يصل إلى 16 ساعة للمحاضر و14 ساعة للأستاذ المساعد. مع ملاحظة أن كل ساعتين تقابلهما 6 ساعات تحضير بالمنزل أو المكتب. وهذا مما يعيق تقدم عضو هيئة التدريس على السلم الوظيفي ويعيق مساهمته المجتمعية حيث يذهب جل الوقت للعمل التدريسي على حساب العمل البحثي الذي هو جزء أصيل من المهام الأكاديمية. 2- ارتفاع عدد الطلاب في بعض الأقسام حيث يصل العدد إلى 80 - 90 طالبة - طالبا في الشعبة الواحدة مما يشكل عبئا كبيرا على الأستاذة - الأستاذ في التدريس وفي تصحيح الاختبارات والبحوث وفي متابعة حاجات الطلب الأكاديمية. 3- الاهتمام بالكم أكثر من الكيف في العملية التعليمية حيث قبول أعداد كبيرة من الطلاب لا يناسب الطاقة الاستيعابية لبعض الجامعات لا في عدد أعضاء هيئة التدريس ولا في الكوادر المساعدة كالمعيدين ولا في أعداد القاعات أو الوسائل التقنية المساندة للعملية التعليمية. 4- لم يجر تعيين معيدين جدد ببعض أقسام العلوم الإنسانية لفترة قد تصل إلى ما يزيد على عشر سنوات. مع ملاحظة أن هناك حاجة فادحة لمثل هذا التعيين ليكونوا نواة أولى لإعداد عضو هيئة تدريس بالمستقبل وليقوموا بمهمة المساعدة خاصة في مقررات المستويات الأولى وسواها كمقررات المبادئ لبعض التخصصات وكذلك مقررات البحوث الميدانية للطلاب والطالبات. 5- تجمد وضع المحاضرين من حيث الراتب والعلاوات ومن حيث الترقية والتقدير المعنوي والمساهمة في اللجان والندوات داخل وخارج الجامعة، وذلك على الرغم من قيامهم بمعظم العبء التدريسي منذ تأسيس بعض الأقسام. فعلى سبيل المثال نادرا ما تدعى المحاضرة - المحاضر للمشاركة في اللجان العلمية أو التطويرية أو الاستشارية أو سواها من النشاطات على مستوى الأقسام المعنية أو الجامعة ككل. 6- فرض شروط مفرطة لقبول المحاضر - المحاضرة لبرنامج الدكتوراه دون مراعاة تجربتهم الطويلة في التدريس الجامعي وفي الإشراف على البحوث الميدانية ومنها اشتراط المقابلة الشخصية التي تجرى لهم - لهن من قبل زملاء العمل بالقسم ممن قد يكونوا أقل تجربة في العمل الأكاديمي. 7- عدم وجود سياسة للإحلال المستمر في عدد أعضاء هيئة التدريس وخاصة في أقسام الطالبات سواء من المتقاعدات السعوديات أو المتعاقدات من الخارج ممن تنتهي أو تنهي عقودهن. 8- عدم توفر أجهزة حاسب آلي لكل عضو من أعضاء هيئة التدريس في عدد من الأقسام وعدم توفر الربط الشبكي بالإنترنت. 9- عدم توفر أجهزة كافية للعرض في الفصول الدراسية Over-head projectors وسواها من الأجهزة التقنية المساندة. 10- وبالنسبة لأقسام الطالبات من الجامعات يلاحظ عدم مشاركة عضوات هيئة التدريس في أي من اجتماعات وقرارات الأقسام بالجامعات لا من خلال الربط الشبكي التلفزيوني ولا من حيث استطلاع الرأي في القضايا المشتركة كتابيا. ولا في تلك الموضوعات التي تشكل اهتماما مشتركا بين قسم الطالبات - الطلاب ولا في المواضيع التي قد تعني قسم الطالبات مباشرة كالتعيينات أو إنهاء العقود الخاصة بعضوات هيئة التدريس. هذا بالإضافة إلى ضعف إن لم يكن انعدام الصلاحيات للمخولين بالعمل. 11- عدم استئناس بعض الأقسام بالجامعات جهة الطلاب برأي عضوات هيئة التدريس جهة أقسام الطالبات في تعيينات وكيلات الأقسام. وهنا تجدر ملاحظة أنه قد لا تكون الوكيلة المعينة من قبل قسم الطلاب الذي لا يعرف إلا القليل عن عضوات هيئة التدريس بأقسام الطالبات هي الأنسب من حيث الكفاءة أو العلاقة بالزميلات أو ما إليه من ضرورات يجب توفر إجماع عليها من قبل عضوات هيئة التدريس المعنيات بالأمر مباشرة في أقسام الطالبات. 12- تهميش مقترحات عضوات هيئة التدريس بأقسام الطالبات لبعض الجامعات وجهودهن المتتالية في وضع تصور لتجديد الخطة الدراسية. وغالبا ما تأتي الخطة التجديدية من أقسام الطلاب دون أن تأخذ في اعتبارها أي من المقررات المقترحة من قبل أقسام الطالبات ودون أن تعرض مسبقا على عضوات هيئة التدريس لمعرفة على الأقل آرائهن فيها. هذا مع ملاحظة البطء الشديد والتقادم الزمني الموغل في وضع خطط دراسية جديدة لمختلف تخصصات الأقسام. وضيق مسارات التخصص. وعدم فتح مسارات جديدة. 13- عدم وجود أي جسم أكاديمي وإداري وقانوني خاص لخدمة القضايا المهنية والتطويرية والقضايا الإشكالية، لا سمح الله، الخاصة بأعضاء هيئة التدريس بالجامعات. 14- عدم وجود أي معايير تقييمية لترقية عضو هيئة التدريس سوى معيار البحوث وتولي المناصب الإدارية، هذا مع العلم أن عددا من جامعات العالم أصبحت تأخذ بمعيار التميز في أداء التدريس الأكاديمي كأحد المعايير الأساسية للترقية والمساهمات العلمية والاجتماعية في الداخل أو الخارج. 15- عدم وجود أي معايير لجودة الأداء الأكاديمي في عدد من جامعاتنا. فمن المعروف أن هناك معايير تدخل في تقييم مستوى الجامعات بالعالم كعدد هيئة التدريس إلى عدد الطلاب، المخترعات والكشوف والإضافات العلمية، نوعية مشاركة أساتذتها في المؤتمرات العالمية. نوعية مساهمتها العلمية والعملية في القضايا الاجتماعية والمعرفية. 16- عدم وجود أي برامج تطويرية خاصة بتطوير وتجديد أداء الأستاذ الجامعي إلا بشكل محدود وغالبا لا يحمل محمل الجد لا من قبل بعض الجامعات ولا من قبل بعض أعضاء هيئة التدريس. ثانياً: مقترحات التطوير الأكاديمية من أجل الارتقاء بمستوى الجودة النوعية في الجامعات: 1- تخفيف العبء التدريسي وإعادة توزيعه بحيث يتيح وقتا للعمل البحثي وللتطوير الذاتي. 2- تقليل عدد الطالبات - الطلاب في الشعبة الواحدة للمقرر حسب القدرة الاستيعابية لمقدرات القسم وسعة القاعات وعدد أعضاء هيئة التدريس. 3- استقطاب عدد أكبر من أعضاء هيئة التدريس والمعيدين. وذلك لتخفيف العبء التدريسي وللتدرج في سياسة الإحلال في حالة التقاعد. 4- إدخال إضافات جديدة على معايير ترقية أعضاء التدريس ومنها خبرة وجودة التدريس والتحاقه بدورات للتطور الأكاديمي. 5- إيجاد برامج دورية لتمكين أعضاء هيئة التدريس من التطور الأكاديمي. 6- توسيع دائرة المشاركة في جميع فعاليات الجامعات العلمية. ويقترح أن تخضع هذه المشاركة للترشيح والانتخابات في اجتماعات الأقسام بحيث لا تتحكم فيها الدائرة الضيقة للعلاقات بل الكفاءة. 7- ضرورة استئناس رؤساء الأقسام جهة الطلاب برأي أكبر عدد من المنتسبات للأقسام جهة الطالبات عند اختيار الوكيلة فهن الأعرف بواقع الحال داخل أقسامهن وذلك على اعتبار تعذر إجراء انتخابات لاختيار رئيس ووكيلة وإن كان ذلك إجراء حان وقته بعد هذا العمر الطويل نسبيا لتجربتنا الجامعية. 8- تجديد الخطط الدراسية للتخصصات المختلفة بشكل دوري وتعديلها في ضوء المستجدات العلمية للتخصصات المختلفة. 9- إعادة النظر في سلم الرواتب حيث لوحظ تسرب عدد من الكفاءات الجيدة بسبب انخفاض العائد المادي مقابل جهد العمل والارتفاع المستمر للتكلفة المعيشية. 10- توفير مناخ أكاديمي واجتماعي بالجامعات يضمن حداً من الحرية المعرفية والنقد البناء دون تذمر أو مصادرة. 11- عدم تعريض أي من الأكاديميين للتوقيع على أي تعهد كاجتهاد شخصي من أي من المسؤولين أو المسؤولات بأي من الجامعات إلا بمحددات قانونية. 12- توفير الوسائل التقنية لدعم العملية الأكاديمية والتدريس. 13- توفير المكتبة لأعضاء هيئة التدريس والطلاب من الإناث والذكور على قدم المساواة. 14- إقامة هيئة أو مجلس تمثيلي دائم للأكاديميين من النساء والرجال على مستوى الأقسام وبالجامعات لتكون عضويته بالانتخاب وذلك لمتابعة أوضاع هيئة التدريس ولمعالجة أي مواقف تتعلق بعضو هيئة التدريس أو بعمله ولتكون جسر تواصل بين الجامعة وبين الأقسام لتوطيد العلاقة بينهما وإقامتها على أساس حقوقي وموضوعي يسمح بمشاركة الجميع في إدارة ووضع التصورات والعمل المشترك للارتقاء بالعمل الأكاديمي بالجامعات. 15- التمثيل الطلابي في مجالس الأقسام وإن اقتصر الأمر في البداية على طلاب الدراسات العليا ليشمل بالتدريج الطلاب الجامعيين لمختلف التخصصات. 16- توفير نظام للتبادل والزيارات الأكاديمية وللعمل البحثي بين جامعاتنا بعضها وبعض، وبينها وبين الجامعات العربية والعالمية عالية الجودة في مجالات التخصصات العلمية المختلفة. 17- إعطاء البحث الأهمية الأكاديمية التي تجعل الإنتاج البحثي العلمي المتميز أحد وسائلنا لاستعادة سمعة ومكانة مقبولة ومنطقية بين جامعات العالم. 18- إن لم يكن رفع فتخفيف قبضة المركزية البيروقراطية عن كاهل العمل الأكاديمي. 19- الاحتكام لنظام له معايير عالمية عالية للجودة النوعية للعمل الأكاديمي وللمحاسبة العلمية يواجه به تحدي تطوير مؤسسات التعليم الجامعي لدينا. 20- إعطاء الطالبات - الطلاب الموقع المحوري الذي يستحقونه باعتبار أن الجامعات قامت لخدماتهم ولتطويرهم كمواطنين منتجين متسلحين بالمعرفة العملية. هذا ولله الأمر من قبل ومن بعد.
|
|
|
| |
|