| |
مقالة أدبية في (المراقبة)
|
|
أقرأ كثيراً في الجزيرة عن مطالبات بمراقبة الأسواق ومراقبة الأبناء ومراقبة الأسعار فأحببت أن أكتب عن أنواع المراقبة: هناك عبارة لطيفة ولها معان عظيمة ودلائل واقعية ألا وهي (من راقب الناس مات هما). لله در من كتب هذه العبارة وكيف عرف وغاص قائلها في أعماق الذي يراقب الناس فوجد فيه الهم الذي يملأ قلبه، فيكون كالميت في هذا الهم من راقب الناس مات هماً. سبحان الله هل حصل لك أن راقبت أحدا فتحملت من الهم الذي ملأ قلبك. المراقبة وما أدراك ما المراقبة هناك مراقبة مذمومة وهناك مراقبة محمودة وهناك مراقبة مطلوبة ولنبدأ بالأخيرة وهي المراقبة المطلوبة فما هي المراقبة المطلوبة: هي في الحقيقة مراقبتك لنفسك، وأن تراقب الله سبحانه في جميع تصرفاتك، وفي جميع أحوالك، أن تعلم علم اليقين أن الله عليك رقيب يرى مكانك ويسمع كلامك، ويعلم ما توسوس به نفسك سبحانه وتعالى فهذه مراقبة مطلوبة منك حتى تصلح أحوالك، وتستقيم أمورك، وتكون على الصراط المستقيم. ففي كل عمل تعمله كأنك ترى الله سبحانه فتتقي الله في هذا العمل، أن تعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك. أما المراقبة الثانية فهي المحمودة أن تراقب من ولاك الله أمره، من جعله تحت يدك وهذا يشمل كل من كنت مسؤولاً عنه فإنك ستسأل عنه يوم القيامة هل قمت بالاهتمام والمتابعة أو بالإهمال والتفريط. مثل (الآباء، المديرين، المدرسون، الرعاة، الوزراء، الملوك) كل راع مسؤول عن رعيته، وهذا السؤال يوم القيامة. فهذه المراقبة هي مطلوبة ومحمودة ولكنها بقدر في إعطاء الثقة، والكلام فيها يطول، والحديث فيها ذو شجون وخاصة في قضية الآباء مع الأبناء. الثالثة: وهي المذمومة هي محط أنظارنا وبيت القصيد في كلامنا، وسبب طرح موضوعنا، الذي قُصد فيه عنوان الكلمة (من راقب الناس مات هما) وهي مراقبة من ليس لك عليهم رعاية، ولا سلطة، وليست من باب التربية ولا من باب الإصلاح، بل هي من باب الفضول ومعرفة الأسرار، وهذه تفسد الود، وتهدم بناء العلاقة، وتدمر الثقة، فأضرارها معلومة، ونتائجها واضحة، من بداية المراقِب ونهايتها في المراقَب. مراقبة الجار لجاره، أو القريب لقريبه، أو الصديق لصديقه، تجد الجار يتتبع جاره في ذهابه وإيابه، وأين ذهب؟ ومن أين أتي؟ ولماذا ذهب إلى مكان كذا؟ أو يراقب قريبه في تحركاته وأعماله ويتتبعها، ويحللها ويفسرها ويبدأ بالتفكير وحمل الهموم.. أو صديقه فينظر إلى من يذهب إليه، ومن يجلس عنده؟ ولماذا يذهب إلى فلان؟.... إلخ فتجد أسئلة كثيرة عنده وعلامات استفهام تحتاج إلى إجابات وحيث إنه لم يجد من يجيب عليها له، بدأ بإجابتها وبربط هذه الأمور بهواه وما يملي عليه الشيطان ونفسه الإمارة بالسوء، وأكثر ما يتعبه سؤال (لماذا) يفعل كذا، وأول قاعدة يضعها قبل أن يجيب عن أسئلته هي سوء الظن ثم يبني بعد ذلك كل الإجابات على هذه القاعدة، ويفسرها بالسوء والقصد السيئ ممن كان يراقبه. وأحياناً يضمرها في قلبه، حتى إذا حصل شجار أو سوء تفاهم بدأ يذكرها مع إجابته لها بقصده السيئ أو يقولها لك أول ما يراك. وذلك بعد أن حمل الهم من مراقبتك وحلل وفسر وأجاب بعد جهد جهيد وشغل شاغل، وعمل متعب، في أمر قد يعود عليه بالوبال فأضاع وقته وجهده، وعمره في هذا العمل المذموم فلو أنه ترك الناس، ولم يتتبع ويراقب لكان خيراً له بل ليس مطلوبا منك حتى في قضية المنكرات أن تفتش عنها في إخفاء الناس لها، إن تتبع عورات الناس يفسدهم هذا في قضية المنكرات قد لا يحسن التنبيش عنها، فما بالك بأمور الناس العادية فهي منهي عنها من باب أولى وأحرى. فعش سالماً من المراقبة وعش سالما من الهموم وعش سالما من تحليل تصرفات الناس التي لا تعود عليك بالنفع والخير واجعل لنفسك شخصية مستقلة، وحبب الناس إليك، وكن لطيفاً معهم، متسامحاً. وأصلح من نفسك ومن أخلاقك، ومن سلوكك، وانظر إلى السلوك الذي يكرهه الناس بك وحاول التخلص منه. وحاول التخلق بالأخلاق الحسنة، والآداب الكريمة إنما العلم بالتعلم، وإنما الحلم بالتحلم، فالإنسان باستطاعته أن يتعلم كل الصفات الحسنة، وأن يترك الصفات السيئة. فطور نفسك، وارتق بها إلى الدرجات العالية، واترك الصفات الذميمة والأخلاق السيئة. واصنع من نفسك إنساناً له قدره وكرمه وحب الآخرين له.
فهد بن عبد الله القضيبي الرياض - ثانوية شعبة لتحفيظ القرآن الكريم
|
|
|
| |
|