حضرت سباقات المصيف الماضية جسداً وعقلاً وعشقاً، ومارست متعة المتابعة للفروسية التي أكن لها حباً أبدياً لا ينقطع، كانت أشهراً جميلة قضيتها مع الخيل في الحوية (موقع الأسطبلات)، وكانت الجزيرة تغطي وبشكل حصري سباقات المنتجين (السباقات الخاصة)، وتوليت المهمة رغم أني كنت في إجازة الصيف، فغلبني شغفي ولم أستطع الاستسلام للإجازة ودواعي الراحة والاسترخاء. ولقد لاحظت أنه على الرغم من وصول جوائز سباقات المنتجين إلى 900 ألف ريال إلا أن الإعلام المرئي والمقروء قاطع (ملح سباقات المصيف) في حين كنت على قناعة أن 90% مما جاءوا للحوية ومعهم غالبية أهل الخيل كانوا حاضرين خصيصاً لهذه المناسبة. ومن الامور المثيرة للشغف في هذا الصدد أن إحدى المحطات الفضائية التجارية هبت لتعرض هذه السباقات بعد وقت طويل من انتهائها وبعد جفاف الإثارة والمتعة.
لقد كنت آخر المغادرين للسباقات بعد المدرب السعودي (عزيز) والذي يطبق مبادئ الاحتراف جملة وتفصيلاً وكذلك المدربون سعود بن سعد وعبدالله بن مشرف وفهد العبدالمنعم والذين فضلوا البقاء مواصلين معسكراتهم الخيلية والتي أراهن (والكل يعلم رهانات الميدان) أن نتائجهم وإن بدأت ملامحها الإيجابية في سباقات رمضان بشكل إيجابي إلا أنها حتماً ستزداد أكثر ضراوة!!
أقول إنه بعد مغادرة أهل الخيل باستثناء الرباعي التدريبي الذين ذكرتهم.. كانت الأسطبلات في الحوية تعج بالخيل وأهلها، وتتألق جلساتهم ومسامراتهم بشكل يذكرنا بماضي أسطبلات الملز، حيث تلك الحالة الحميمية من الألفة والتلاقي والتي تحولت إلى ساحات أشباح وسكون وكان أجمل ما يعيد فينا الأمل تلك الأجواء الماطرة التي تأتي بها سحابة العطاء مع كل عصرية، حيث تزداد كثافتها الماطرة يوماً بعد يوم. لقد كانت الخيول التي ترقبها عيناي - وهي قلة- في حالة استمتاع أيضاً بالأجواء وكانت درجة المتعة عندها عالية بشكل يصعب وصفه بدقة، وبدأت وكأنها تقول (لاحقين على أجواء الرياض المتقلبه).
نعم الحوية واسطبلاتها واجواؤها وما بقي من ناسها (أهل الخيل) حالة خاصة من العشق رغم ملله الرتيب بين فترة وأخرى.
وفي الحوية مشاهدات وحكايات ففي أثناء حضوري للتدريبات الصباحية والعصارية متابعاً (مدرب عليمي) اكتشفت أنواع المدربين فوجدت فيهم (مدرب الأزمنة والساعة) والذي يفحص خيله بساعة التوقيت وهناك المدرب الذي يعرف خيله من دعستها كناترها وقلباتها، وهذا هو المدرب بعينه وعلمه، وهناك المدرب الذي يعتمد على مشغليه، وهناك الذي تفرغ لمراقبة خيول الناس وأخذ أزمنتها وبث أزمنتها ومستواياتها في دكات الأسطبلات وجلساتها عند أوقات السمر ومفطحات السليق الطايفي!!
واكتشفت في الحوية أن الخيال لا يصلح أن يكون مشغلاً والعكس صحيح، واكتشفت أن السايس يبقى سايساً، لقد كان من أبرز اكتشافات سباقات المصيف لهذا الموسم المدرب فهد الجبر القادم من الزلفي والتي يتنفس أهاليها عشق هذا الموروث الأصيل هذا المدرب الظاهرة والذي تربع على نجومية (مدرب السنتين) من خلال نتائجه المدوية.
وفي الحوية، وفي ظل غياب الصفقات ومنها المحلية كان هناك من يشجع على انتقاء الخيول المستوردة بمنطق أعوج ومقومات هشة ظناً منه أنه يلوي مجاديف المنتجين السعوديين. وفي الحوية كان جميع أهل الخيل متفقين أن (8) أسابيع لا تكفي للموسم الصيفي وأن حضورهم كان مترافقاً مع عين ترقب السباقات الخاصة أو سباقات المنتجين وفي نادي الفروسية بالحوية اكتشفت في الأيام الأخيرة التشطيبات النهائية لأساسيات (المنصة الرئيسة الجديدة) وكنت أبحث عن موقع الإنارة دون جدوى واكتشفت أيضاً المساحات الكبيرة من الأراضي المحيطة بالنادي (مملوكة للنادي) وذلك الانتظار الذي طال صبره بتقسيمها كأسطبلات لأهل الخيل.. وأخيراً اكتشفت أن الإجازة قد طارت بسويعاتها وأيامها وأنها لم تكن كافية للذهاب أبعد من موادعة والدي -متعه الله بالصحة والعافية- في مسقط رأسه بتربة.. كل حوية والفروسية عزيزة بآمال لا تقطع بعودة الانتعاش لسباقاتها وأسواقها نواميسها وأفراحها.
المسار الأخير.. لعلي بن حمري :