البوارح
التاريخ والمعاصرة
د. دلال بنت مخلد الحربي

يشهد العالم متغيّرات كثيرة في التعليم تفرضها التطورات الحديثة، إضافة إلى التوسع في التخصصات التي تحوَّلت إلى جزئيات يركّز عليها ويتم درسها على نحو أعمق مما كانت عليه عندما كانت تدرس ضمن أطر أشمل من الناحية الموضوعية.
ففي مجال التاريخ على سبيل المثال أصبحنا نجد معاهد متخصصة في دراسات إقليمية أو فترات زمنية تتداخل فيها المعلومات التاريخية مع الكشوف الأثرية، والدراسات الميدانية مع الدراسات النظرية، ويستفاد فيها من الدراسات الاقتصادية والسياسية والاجتماعية، كل ذلك من أجل إخراجها من الإطار التقليدي الذي يقوم على رصد الأحداث وسردها دون الاستفادة من نتائجها ومعطياتها.
ولا شك أننا في المملكة ونحن نشهد تحولات كثيرة في مجالات الحياة نحتاج إلى إعادة النظر في نمط التدريس في التخصصات الإنسانية بحيث تكون أكثر التصاقاً بالحياة، والتاريخ جزء من هذا النمط من الدراسات، وهو يحتاج إلى معالجة معمَّقة تخرجه من إطار تتبع الماضي إلى الربط بين الأحداث والحقائق المعاصرة، فالتاريخ ليس مجرد أحداث مضت، بل هو عِبر ودروس ماضية تتكرر يفترض أن نستفيد منها في تتبع وقائع العصر، بل في استكشاف المستقبل، والمهمة كبيرة وعسيرة تحتاج إلى جهود مضنية من أساتذة التاريخ وروّاده في المملكة حتى نتمكَّن من مجاراة ما يحدث في العالم من تطور في التعليم، ولا شك أن البقاء على النمط القديم في المناهج وطرق التدريس - واستخدم التاريخ كنموذج هنا - سيؤول بنا إلى التخلّف عن الركب العالمي ومن ثم تخريج أجيال لا تفقه من التاريخ إلا تذكّر السنين والوقائع والأحداث دون استفادة من معطياته البشرية ونتائجه التي تتوالى والتي قد تحدث مستقبلاً.
إن عدم تطور مناهج التاريخ وإخراجها من مسارها التقليدي يعني الحكم على أقسام التاريخ أن تسير في طريق لا يؤدي إلى الترغيب في دراسته والبحث بعين فاحصة في حقبه وربطه بالعالم المعاصر الذي يشهد الإنسان فيه نقلات تصعب ملاحقتها ولا نستطيع إن بقينا على هذا المسار التقليدي أن نقدم تاريخنا بمنظور حديث يكشف دورنا في تحولاته.