| |
بشت العيد..!! محمد أبو حمراء
|
|
تطلق مفردة البشت على العباءة الرجالية والنسائية معاً، لكن غلب على ما يخص المرأة اسم (عباية) واستمرت كلمة بشت لعباءة الرجل، والبشت أو العباءة تسمى أيضاً (مشلح) وهو مسمى أكثر شيوعاً عند من يستعملون المشالح، وكان الناس قبل عهد الملك عبدالعزيز لا يستعملون المشالح إلا قليلاً جداً منهم، وكان المشلح خاص برجال لهم هيبتهم في القرى النجدية بالذات، كأن يكون أميراً أو قاضياً أو وجهاً له وجاهته وجاهه.. أما في البداية فلم يكن لديهم سوى ما يلتحفون به ويسمى (البيدي) وهو كساء غليظ من وبر الجمل أو شعر الماعز، وبعد أن جاء الإخوان واعتمروا العمائم البيضاء على رؤوسهم استعملوا المشالح حتى صارت من ضمن لباسهم الرسمي آنذاك، وكنت أثناء طفولتي في الرياض أرى الكثيرين منهم يستعملون المشالح، وكان من المستهجن على الرجل أن يخرج من بيته دون المشلح الذي يرتديه، بل كان يومها ضرورياً لهم، ولا يقابلون أحداً دون أن يكون عليهم. والمشلح كان رمزاً للوقار والهدوء ومعياراً للرجل الكامل، أي مكتمل الرجولة، ولذلك تجد من بلغ مبلغ الرجال يرتدي المشلح، وكان كبار السن يتندرون على المراهقين عند لباسهم للعباءة أو المشلح عند أول مرة بقولهم: يا فلان وش حشو مشلحك؟.. فيسرع المراهق ويقول: قطن أو يقول: صوف!! لكنهم يستدركون الوضع ويقولون له: لا.. قل حشوه رجّال!! وكنا صغاراً ونحن نرى الناس يوم العيد عند الذهاب إلى صلاة العيد وهم يرتدون المشالح المختلفة الألوان (كانوا يذهبون للمساجد على أقدامهم) فإذا كان الوقت برداً تراها من السميك جداً، وبالعكس إذا كان الوقت صيفاً، أما اليوم فهي نادراً ما تراها في صلاة العيد أو الجمعة، مع أن الأمر بالزينة للصلاة وخاصة الجمعة والعيدين شيء مؤكد، ثم جاء وقت اختفت فيه المشالح عند أغلب الناس حتى لا تراها إلا على الرسميين أو أصحاب الثراء والجاه فقط، وذلك لارتفاع أسعارها وقلة ذات اليد عند السواد الأعظم، لكن كعادة اجتماعية فقد كان من لوازم ليلة الزواج للرجل أن يلبس المشلح، ولأن لبسه مرة واحدة فقط وسعره غالٍ، فهو لا يشتريه، بل يستعيره من صديقه لتلك الليلة فقط، ومن النكات حول ذلك أن صديقاً أعار صديقه مشلحاً ليلة عرسه، فلاحظ أن اعتناء العريس به غير موفق فقال: يا فلان دوبك على بشتي لا ينشق!!! فما كان من العريس الأحمق إلا أن رماه عليه قائلاً: خذ بشتك لا بارك الله فيك ولا في بشتك!. واليوم فإن أغلب اللابسين له اليوم من غير أهله الحقيقيين أو الرسميين يعتبرون المشالح نوعاً من هيئة تكون لتحقيق مآرب من خلال الارتداء فقط، بل وصل الحد ببعضهم أن يكون لديه في سيارته ألوان مختلفة منها!! ولكل دائرة يراجعها عباءة خاصة بها، ولكل فئة اجتماعية يذهب إليها مشلح خاص بها، أي أن المشلح تم ابتذاله من قبل أناس لم يعرفوا أنه كان رمزاً للوقار والرجولة والهيبة في زمن مضى، بل كان العلماء الكبار يلبسونه كعلامة مميزة لمنزلتهم عند الناس الذين يحبونهم ويستفتونهم ويجعلون منهم رموزاً دينية لها الوقار والمحبة. ومثلما بدأ المشلح غريباً، ها هو يعود، لكنه عاد بغرابة أكثر من غرابة البداية، وغالباً تكون النهايات غير موفقة، فهل لبس أحدكم مشلح العيد أم أنه نسي أن يرتديه!؟.
فاكس: 2372911
|
|
|
| |
|