| |
الأمن الفكري د. جمعة بن خالد الوقاع - رئيس قسم العلوم الإنسانية - كلية الملك خالد العسكرية
|
|
شاع استعمال مصطلح الأمن الفكري، في السنوات الأخيرة، حتى أصبح من المصطلحات الدارجة على الألسن، وتناولته وسائل الإعلام بإسهاب، وأعدت في مفرداته البحوث والكتب، وعقدت الندوات والمؤتمرات. ومن ينظر لهذا الموضوع بعجالة، ودون سابق خبرة يضمن أن الأمر جديد ومستحدث ضمن ما استحدث من مصطلحات ومفاهيم في الآونة الأخيرة، وخاصة ما كان له علاقة بالأمن والإرهاب. وحتى تبين الصورة، وتتضح الأمور، ويظهر خطأ هذا التصور، فسأعرض آية واحدة من كتاب الله وهي الآية الكريمة رقم 82 من سورة الأنعام قال تعالى {الَّذِينَ آمَنُواْ وَلَمْ يَلْبِسُواْ إِيمَانَهُم بِظُلْمٍ أُوْلَئِكَ لَهُمُ الأَمْنُ وَهُم مُّهْتَدُونَ}. فهذه الآية الكريمة توضح مفهوم الأمن الفكري وعلاقته بالأمن الحسي، وأن الارتباط بينهما قوي ولا ينفكان عن بعض، فأي خلل بأحدهما يؤثر على الآخر. فقد بين المفسرون معنى الآية الكريمة بأنه: (أي هؤلاء الذين أخلصوا العبادة لله وحده لا شريك له، ولم يشركوا به شيئاً، هم الآمنون يوم القيامة المهتدون في الدنيا والآخرة). والمقصود بالظلم في هذه الآية (الشرك) كما بينته الآية الكريمة في قوله تعالى {وَإِذْ قَالَ لُقْمَانُ لِابْنِهِ وَهُوَ يَعِظُهُ يَا بُنَيَّ لَا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ}. ويتضح من السياق أن الأمن الفكري مقدم على الأمن الحسي، وذلك لخطورة أثره وخفائه على كثير من الناس، من غير أهل البصيرة والنفاذ. وكما حدد القرآن الكريم منشأ الخلل في حماية الأمن الفكري وحذر منه أشد التحذير، ويعود ذلك إلى التحريف في النصوص الشرعية، وعدم فهم المراد منها، إما اتباعاً لشبه، أو تلبية لشهوة. وأهم مسبب للانحراف في الأمن الفكري يعود إلى انحراف الفطرة عن عقيدة التوحيد ومتى ما حصل هذا الانحراف حصل الخلل في الأمن الفكري والحسي معاً، ولذلك ربط الله سبحانه بين صحة العقيدة، وحصول الأمن الفكري والحسي لبني البشر. ولا يمكن أن يتحقق التوافق بين الأمن الفكري والحسي، إلا من خلال الالتزام بمصادر التلقي الصحيحة من الكتاب الكريم والسنة المطهرة، وما اتفقت عليه الأمة. ونقل محتوى هذه المصادر بفهم ودراية وأمانة، للأجيال الحالية والقادمة بعيداً عن الأهواء والرغبات وتحقيق المطامع الشخصية، فبهذا يتحقق الارتباط بين الأمن الفكري والأمن الحسي، وتتحقق الغاية المنشودة من خلق العباد وهي عبادة الله سبحانه وتعالى وعمارة الأرض بأمن وسلام.
|
|
|
| |
|