| |
حولها ندندن دعوة للطُّهْر الجماعي د. جواهر بنت عبد العزيز آل الشيخ (*)
|
|
لستُ من أهل الاقتصاد، ولا دارسة له، أو كاتبة في مضامينه، أو معنيّة بقوانينه ونظرياته المتعددة المتناقضة طالما مصدرها عقل بشري يدلي بدلوه القاصر، كما أني لست من المحبين لهذه الكلمة منذ صغري؛ لأنها توحي لي بالبخل والارتجاف على المال حباً وخوفاً، رغم كرهي الشديد أيضاً للمبذرين الذين تضحكني طرائفهم أشد مما تثير سخريتي طرائف الأشحّاء؛ لأني أحس أن المبالغين في كلا الاتجاهين من شحّ أو إسراف يكمن في داخلهم معاناة نفسية وصلت لدرجة المرض، فقاموا يتخبطون بمظاهر البخل أو التبذير اللافتة للانتباه. ولكني ابنة هذه البلاد، أفرح لفرحها وأحزن لحزنها وأتألم لكل ما يصيبها من ظلم خارجي أو خطأ داخلي؛ لأني أبحر في سفينتها التي أدعو الله أن يحميها من الغرق كلها وليس مكاني فيها فقط، كما يخطئ بعض راكبيها دون أن يشعروا، فحينما صارت فتنة الأسهم التي رفعت أناسا عديدين إلى مصاف الثراء الفاحش، لم يُزعج أي إنسان سويّ ذلك؛ لأن الفقراء والضعفاء أيضاً نالهم نصيب من الانتعاش المالي، فانعكس الوضع على المجتمع بأسره؛ لأن من ليس لديه شيء صار عنده الذي يكفيه ويستره، ومن يمتلك النزْر اليسير من المال أصبح لديه بعض الذخر المادي الذي يستند إليه في الشدائد الضرورية، وأما من أعطاه الله فقد ازداد رصيده، كما أن هناك الذين استغنوا عن وظائفهم الحكومية وتفرغوا لتجارة الأسهم فتركوا المكان لمن يبحث عن وظيفة، ومن لم يجد عملا فقد وجد عوضا في هذه التجارة فانتعش بذلك اقتصاد الوطن وحدث نوع من الرضا الاجتماعي وسعد أغلب الناس؛ ما دعا البعض الآخر إلى أن يقدم على هذه التجربة وهو مطمئن ومتأكد أنه سوف يناله ما نال من سبقه من الدجاج الذي يبيض ذهباً. وكان الوضع يوحي بأن الأمر سيستقرّ على الأقل عند هذا الحد إن لم يكن في ازدياد وارتفاع إلى درجة مغامرة العديدين بكل ما يملكون، ولكن المصيبة حدثت، وهي حقاً ابتلاء جماعي لا يمكن إنكاره أصاب اقتصاد الوطن بجرح غائر لم يتمّ علاجه إلى الآن، رغم بعض المحاولات الفردية القليلة التي لا تكفي؛ إذْ إن الوضع يستدعي تعاون الجميع ولا سيما من افتُتِن بأن يكون من القلة التي تمتلك والتي تمسح كل ما على المائدة؛ لأن الواقع يوحي بأن الأمر أشبه بالمقامرة التي وضع الناس أموالهم فوق مائدتها فرأوها تتبخر ثم تذهب إلى أيدي فئة قليلة رأت فيها لعبة اقتصادية ممتعة لها فحسب، إلا أنها قاصمة لظهر الاقتصاد الخاص والعام على حد سواء. وما دعاني إلى العودة إلى هذا الموضوع القديم المتجدد في آلامه هو ما اطلعتُ مؤخرا عليه في صحفنا المحلية من انتحار أحد الشباب الذي خسر كل ما يملك في فتنة الأسهم فأصابته حالة نفسية شديدة دعته إلى هذا الفعل المشين دينا ودنيا.. ورغم أن الانتحار فعل محرّم شرعا عقوباته الإلهية عديدة ومعروفة، إلا أنه حسب مفاهيم الطب النفسي فإن بعض حالات الاكتئاب الشديد تفقد المريض وعيه فيقدم على قتل نفسه، ولكن السؤال المهم: ألا يوجد قاتل أو قَتَلة في هذا الموضوع؟ ولا سيما أن مثل هذه القصة الواقعية تكررت في جميع مناطق الوطن، ولكن بطرق مختلفة لم تصل إلى حدّ الانتحار إلا في حالات معدودة. ولن نكرر السؤال عمن هو المسؤول الذي تسبب في ذلك، لكننا نودّ مِنْ كلّ مَنْ ساهم في هذا الأمر الأليم سواء بأسلوب مباشر أو غير مباشر أن يحاول إصلاح ما يستطيع إصلاحه، وأن يطهّر أمواله وعرضه من ظلم المسلمين والمسلمات ولا سيما المستضعفين والمستضعفات اتقاء دعوة المظلومين التي يجيبها الخالق ولو بعد حين، خصوصاً أننا في شهر الطهارة من جميع الأدران، والحياة جدُّ قصيرة ليس بها متسع لإنفاق الأموال اللاّ معدودة. وجميع أبناء وطننا أهل فطرة سليمة مؤمنون موحدون يُرجى منهم الخير الكثير في هذا الشهر الكريم، فحينما دعاهم ولي أمر هذه البلاد إلى تطهير أنفسهم من مال الحق العام سارع العديدون إلى ردّ ما ليس لهم بحق، فعسانا نسمع ما يثلج صدرنا من الذين في أيديهم القرار ولو كان غير مباشر لردّ الحقوق لأهلها قدر المستطاع.. فهل من مجيب يا إخوة العقيدة والوطن؟؟.
(*) الأستاذ المشارك بكلية التربية للبنات بالرياض
|
|
|
| |
|