* إعداد - محمد بن إبراهيم السبر
الحديث عن حماية الفضيلة وطرق الوقاية من الرذيلة حديث ذو شأن ولا سيما وقد بدأت تطل على مجتمعات المسلمين مظاهر غربية، وسلوكيات مشينة، تتنافى مع أخلاقهم وتقاليدهم الإسلامية الأصيلة، والأخلاق والقيم قوة للأمم، وصون للأفراد وحماية للمجتمعات، والضعف الاجتماعي والتهتك القيمي، والسقوط الأخلاقي لا شك أشد أثراً وأشد بلاء. ونستعرض في هذه الصفحة خطبة الشيخ الدكتور سليمان العودة تحدث فيها عن طرق حماية الفضيلة والوقاية من الرذيلة حيث بيّن فضيلته أن العفة شرف، والحياء من الإيمان، والعفاف طهر، والفجور مأثم ومنقص.
وقال: وإذا كان الناس - مسلمهم وكافرهم - يتفاوتون في تقدير الفضيلة وحمايتها، والتهاون في الرذيلة وممارستها، فما يزال الناس يفتخرون بالعفة قديماً وحديثاً كما يقول العلامة ابن القيم رحمه الله في روضة المحبين/ 349: (جاءت شرائع السماء لتؤكد قيمة الأخلاق، وتصون الأعراض، وتنهى عن الفواحش، وجاء الإسلام متمماً لمكارم الأخلاق، داعياً لكل فضيلة، محذراً وناهياً عن كل رذيلة، وامتلأ كتاب الله بالآيات والسور، والنماذج والأمثال التي ترسي الفضيلة وتعظم شأنها، وتنهى عن الفاحشة، وتذم أصحابها، وجاءت السُّنة النبوية كذلك بجمع من النصوص، وسيل من القصص والأمثال التي يعلم بها نبيُّ الأمة كيف تبني الفضائل، ويسار في ركب القيم، ويحذِّر الناس من الفاحشة، وترسم لهم سبل الخلاص منها، ولا غرابة في هذا، فالإسلام دين الفطرة والقرآن، هدى ونور، ومحمد صلى الله عليه وسلم بعث ليتمم مكارم الأخلاق).
حماية الفضيلة في الجاهلية!!
وأضاف العودة: وما كانت القيم غائبة عن أصحاب الفطر السليمة - وإن لم يكونوا مسلمين - وعند عرب الجاهلية الخبر اليقين، وما توقفت الغيرة والدفاع عن الأعراض على الآدميين، بل شملت غيرهم من الحيوانات ومما لا يعقلون.. ولقد قالت امرأة وهي حديثة عهد بجاهلية وشرك: (أوتزني الحرة يا رسول الله؟) وقالت الأخرى وهي تُكره على الطواف بالبيت عارية
اليوم يبدو كله أو بعضه
وما بدا منه فلا أحله
وقال ابن الجوزي: ولم تزل أشراف العرب في الجاهلية والإسلام يجتنبون الزنا ويذمونه، وينهون عنه.
وحتى الحيوان!!
وأردف: وإذا تهاون بعض المسلمين بالفضيلة، أو خرقوا سياج الرذيلة، فذاك انتكاس في الفطرة، وفي عالم الحيوان عبرة، وفي غيرته موعظة لأولي الألباب.. أخرج البخاري في صحيحه عن عمرو بن ميمون قال: (رأيت في الجاهلية قِرْدة اجتمع عليها قِرَدَة قد زنت فرجموها فرجمتها معهم). قال الحافظ ابن حجر: وفي القصة من شدة الغيرة ما يوازي الآدمي ولا يتعدى أحدهم إلى غير زوجته، (الفتح 7-160).وهنا نتساءل: أتوجد هذه الغيرة عند الحيوان وتغيب عند بعض بني الإنسان، فنسمع بين الفينة والأخرى عن ممارسات شاذة، تتفطر لها الأكباد، ويتألم له أهل الأيمان؟.
وصمة عار!!
وبيّن فضيلته أن هتك الأعراض مخل ببناء الأسر، وأن الخيانة الخلقية هادمة للبيوت، منكسة للرؤوس، تضع الشرفاء، وتخدش كرامة النبلاء، فهي تاريخ يلاحَق، وفضيحة ووصمة عار خليق بأهل الإسلام وأصحاب المروءة والشهامة أن يترفعوا عنها. كما جاء في وصية دريد بن الصمة!: إياكم وفضيحة النساء، فإنها عقوبة غد، وعار الأبد، يكاد صاحبها يعاقب في حرمه بمثلها، ولا يزال عارها لازماً له ما عاش.
ودعا إلى أهمية العفاف، وقال: عفوا تعفّ نساؤكم، ومن هتك عرض غيره أوشك أن يهتك عرضه، ولذا قال الشاعر:
عفوا تعف نساؤكم في المحرم |
من يَزن يُزن به ولو بجداره |
إن كنت يا هذا لبيباً فافهم |
مَنْ يزن في بيت بألفي درهم |
في بيته يُزنى بغير الدرهم |
ظهور الفواحش
ووقف الشيخ العودة وقفة ذكر فيها ببعض الأسباب المؤدية إلى ظهور الفواحش ومنكرات الأخلاق، ولا سيما الصلات غير المشروعة بين الرجل والمرأة، أو بين الرجل والرجل، وما نتج عن ذلك من زنا أو لواط أو مقدماتهما، ولعل من أبرز هذه الأسباب:
1- أن يشهر المنكر، وأن تعلق الفاحشة، وإن تصبح الصورة المنكرة على مرأى ومسمع الناس - بأطيافهم المختلفة قال تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَن تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ(19) سورة النور). وقال صلى الله عليه وسلم: (ولم تظهر الفاحشة في قوم حتى يعلنوا بها إلا فشا فيهم الطاعون والأوجاع التي لم تكن في أسلافهم الذين مضوا).
2- غياب الرقيب وتسامح بعض الأسر إلى درجة لا يدري الولي أين يذهب أولاده وبناته، ومع من يختلطون، وماذا يشاهدون ويقرؤون، في فوضى وغفلة وتفريط.. ولا ينتبه الولي والأسرة إلا إذا وقعت الواقعة وصدموا على هول الفضيحة!.
3- انتشار وسائل الاتصال في البيوت مع الرجل والمرأة، ولئن كان للهاتف آثاره في ربط العلاقات، فقد عاد الهاتف الجوال أشد وأنكى وأكثر تأثيراً، ولا سيما وقد استخدمت أجهزة تحمل الكاميرا وتصور فورياً، وتجمع الصورة مع الصوت، بل وتنقل الصور من جهاز إلى آخر بشكل فوري.. إنها مأساة حين تنتشر هذه الأجهزة مع السفهاء، ومع الفتيان والفتيات، والمراهقين والمراهقات، ويزداد الخطر إذا انتقلت هذه الأجهزة إلى صالات الأفراح، ومواقع الاجتماعات النسوية العامة.
4- الاستخدام السيئ للإنترنت، ولا سيما مواقع من السوء بمكان، وهي متخصصة بتعميم الصورة السيئة في عدد من المواقع، كما أن بعض حاملي الجوالات متخصصون في إرسال الصوتيات، أو الصور وأرقام الجوالات، فهل ندرك ما يشاهد أولادنا وبناتنا؟ وهل نعلم شيئاً عن الوسائل الواردة إليهم عبر الجوال، أو البريد الإلكتروني؟؟ إنها مجالات للغزو والفساد، كما هي مجالات للدعوة والإصلاح.
5- تأخير زواج الفتيات لسبب أو لآخر غير مقبول، كطمع مادي، وعناد أسري، أو تعنت في الشروط، وتكون الفتاة هي الضحية، وقد يكون هذا مدخلاً لتلاعب شياطين الإنس بها، وكم جنت العنوسة على الفتاة والمجتمع من ويلات.. قال صلى الله عليه وسلم: (إذا جاءكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه، إلا تفعلوه تكن فتنة في الأرض وفساد عريض).
6- وفي مقابل هذا السبب سبب آخر، يكمن في غلاء المهور؛ ما يسبب عزوف الشباب عن الزواج؛ لعدم القدرة على التكاليف التي يفرضها أهل الزوجة، وتفرضها أعراف المجتمع، وربما ضعف الشباب أو سوّل له رفقاء السوء أن يقضي وطره بالحرام، فيزاد قلقه وفقره، ويكون سبباً لإفساد غيره.
7- ومن أسباب انتشار الفاحشة كثرة السائقين وانتشار الخدم، مع إعطاء الثقة بهم إلى حد معرفة خواص أهل البيت، والذهاب بالنساء - حيث شئن - واختلاط الخادمات بالأبناء البالغين؛ ما ينتج عنه مخاطر وبلايا لا يعلمها إلا الله.
8- ومن الأسباب كثرة ارتياد النساء الأسواق أو الحدائق، وتركهن في السوق أو في الحديقة دون محرم، وربما جاء إليهن الولي في ساعة متأخرة من ليل أو نهار، وهو لا يدري ما حال المرأة ولا من يتصل بهذه الفتاة في حال يتفرد بها الذئاب، وتتناوشها السهام.
وأردف فضيلة الدكتور العودة: والأسباب كثيرة لكنها تكاد تنحصر في الإهمال والتفريط، وضعف التربية وغياب القوامة، وعدم تقدير العواقب وقلة الوعي، وعدم الاستفادة من الأحداث الواقعة والمبالغة في الترف، وضعف الوازع الديني.
طرق حماية الفضيلة
وعدَّد الشيخ العودة طرق العلاج والحماية من الرذيلة ومنها: تقوية الوازع الديني، وتذكير المجتمع الصغير والكبير بآثار العلاقات الجنسية المحرمة في الدنيا والآخرة، والعناية بالتربية عموماً والتركيز على قيمة الأخلاق وصون الأعراض خصوصاً، فهي الشرف والكرم، والمجد والسؤدد، وما سواها مأثم ومغرم، وعيب ومنقصة، لا بد أن تسمع المرأة أن عرضها شرفها، وعفافها جمالها، وأن الذئاب إذا افترستها تركت بصمات العار عليها وعلى أسرتها، وبقيت فضيحة الدهر تلوكها الألسن.
وقال: ولا بد أن يقال للرجل الهاتك لأعراض الآخرين: أترضى الفضيحة لأمك وأختك وابنتك؟؟ إن كنت لا ترضاها لنفسك فكذلك الناس. ولا بد أن يعلم قيِّم البيت أنه أمين ومؤتمن، وراع ومسترعى، فهل حفظ الأمانة ووعى المسؤولية؟.
وأضاف: إن صلاح الأب ووعيه - إن شاء الله - مؤشر لصلاح من يعول، قال تعالى: (وَكَانَ أَبُوهُمَا صَالِحًا) (82) سورة الكهف، وقوله تعالى: (فَكَانَ أَبَوَاهُ مُؤْمِنَيْنِ (80)(سورة الكهف.) ولا بد - في سبيل الوقاية - من تركيز قيمة الأخلاق في المناهج الدراسية والبرامج الدعوية، لا يكفي أن نتلاوم، ولا أن نكثر الشماتة، ونسهم من حيث نشعر أو لا نشعر بنشر السلوكيات الشاذة. ولا بد أن تسهم وسائل الإعلام بفاعلية في التحذير من التهتك الأخلاقي، وأن تبرز آثار الجريمة، وأن تعقد الندوات والمحاضرات التربوية والطبية والاجتماعية، للحماية من مخاطر الفاحشة. وإذا كان وازع القرآن مهما، فلا بد من وازع السلطان، ووضع العقوبات الرادعة لمن يحاولون التعدي على سياج الفضيلة ليكونوا عبرة لغيرهم: (وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ (179)) سورة البقرة.)
وأكّد على أهمية تضافر جهود المجتمع كله، بمؤسساته الرسمية والمدنية، على محاصرة الرذيلة وفضح أوكار المفسدين، وقال: لا بد من تقوية شعيرة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ودعم رجال الأمن المحتسبين، ولا بد أن تدرك الأمة أنها تحارب من عدة جبهات من الخارج، وإصلاح الجبهة الداخلية وبناء الأخلاق مطلب أساسي في هذا المعترك العنيف، وأن غياب القيم وتفكك الأسرة في العالم العربي أو الشرقي غير المسلم، يشكل نقطة ضعف في جبهتهم، وهم يشعرون بتميز المسلمين عنهم في هذا الجانب، فهل نتيح الفرصة لهم لنقل أمراضهم إلينا؟ وهل نسمح باختراق حصوننا؟ إننا وإيَّاهم في منظومة الأخلاق والقيم في تحد هل تكون أو لا تكون.
وإنما الأمم الأخلاق ما بقيت |
فإن هم ذهبت أخلاقهم ذهبوا |
واختتم حديثه بقوله: فهل نكون على مستوى إسلامنا في متانة الخلق وحراسة الفضيلة ومحاربة الرذيلة؟!!.. ذلك ذكرى للذاكرين.
|