| |
من يوقف العبث برموزنا الخالدة؟! ماجدة السويح (*)
|
|
طفلة لم يتجاوز عمرها السابعة شدها اسم يتردد على ألسنة أفراد عائلتها حين مشاهدتهم للمسلسل التاريخي (خالد بن الوليد)، أطلقت بعفويتها عبارة لفتت أنظار والديها إلى ما قالته (هذا صديق الرسول صلى الله عليه وسلم، فقد عرفت بعضا من سيرته بالمدرسة)، بادرت الأم ابنتها أن ما تراه لا يعد كونه تمثيلا وليس حقيقة، وأن خالد بن الوليد مات منذ زمن بعيد، لكن هيهات أن تقتنع بموت خالد، وها هي ترى في كل يوم من يقود الفتوحات ويخوض المعارك نصرة للإسلام. إن الصورة التي ستنطبع في أذهان صغارنا في مرحلة الطفولة من الصعب محوها في مرحلة الكبر، وليتذكر كل منا فنانين ارتبطت أسماؤهم بالشخصيات التاريخية التي تقمصوها، ومن شاهد هذه الأعمال بمجرد ذكر هذه الشخصية في الكبر سيجد الصورة التي شاهدها في طفولته مخزنة في ذاكرته، مثل الخنساء وعمر المختار، وغيرها الكثير من الشخصيات، والخطر الأكبر حينما يرى صغارنا هذا الممثل وقد تقمص دور لص أو مدمن وسكير، فمن قائد عظيم وصحابي جليل سنجده تحول إلى مهرج كبير في مسلسل آخر، وكيف سيوفق المشاهد بين الشخصيتين، أن يرى من تقوم بدور الصحابية الجليلة هند بنت عتبة وأم الخليفة معاوية بن أبي سفيان، هي نفسها من تقوم بدور العشيقة والخليلة، كيف سيستطيع صغارنا بعد ذلك التوفيق بين الشخصيتين المتناقضتين، وما يرونه من شأنه أن يبعث التشويش في عقولهم الصغيرة ويترك فيها الحيرة والتساؤلات المستمرة. كذلك في هذا الشهر الفضيل لم يخلُ مسلسل الأمين والمأمون من افتراء واضح على هارون الرشيد الذي كان يحج عاما، ويجاهد عاما، وإن كانت بعض الكتب التاريخية قد تجنت على الخليفة العباسي هارون الرشيد وابنيه، لكن هذا لا يعطي الحق لمن قام بكتابة هذا العمل للتلفاز أن يختار من الوقائع أضعفها. البعض قد يدافع عن هذه المسلسلات التاريخية بحجة أنها الأداة الأنسب في ظل إحجام الكثير من الناس في هذا العصر عن قراءة الكتب، وهي الوسيلة المناسبة لإيقاظ ذكرى شخصيات خالدة في أفئدة المشاهدين، لكن هل نحن بحاجة لإيقاظ هذه الذكرى، أم أنها تعيش فعلا في أفئدتنا؟! حينما تناولت المسلسلات التاريخية شخصيات شعرية أو أدبية أو شخصيات من التراث الشعبي، لم يعترض أحد على ذلك، بل إنها ساعدت في نشر المعرفة بين عامة الناس، لكن أن تتناول هذه المسلسلات صحابتنا وتابعينا، ونحن نتفرج دون أن نتحرك للوقوف في وجه من يعبث برموزنا، ويشوه الكثير من الحقائق، فذلك ضعف يشوه تاريخنا العظيم. في عالمنا المعاصر وحينما تنوي إحدى شركات الإنتاج تحويل سيرة لزعيم أو قائد مطرب عريق أو شاعر كبير، نجدها تعد العدة للتفاوض مع ورثة هؤلاء وقد تستمر سنوات لإقناعهم والظفر بالموافقة المبدئية على عروض هذه الشخصيات في السينما أو التلفاز، وكذلك موافقتها على ما سيتم طرحه من أحداث وحوادث رافقت حياتهم، إضافة للمبالغ الكبيرة التي تدفع للورثة حتى تقبل بالعرض، لكن الآن ما نشاهده هو تطاول في الطرح دون استئذان من الورثة المعاصرين، ودون اعتبار لوجودهم، نعم فالكل يتجاهلنا نحن ورثة هذا التاريخ العريق، ويعبث برموزنا دون حسيب أو رقيب، فنحن ورثة هذا التاريخ لن نرضى أن يتقمص أحد رمزا من رموزنا الإسلامية، التي لها ثقلها في تاريخنا الإسلامي، ويقوم بتشويهها بالوقائع التاريخية المزورة، نحن بحاجة لمن يقف في وجه هذا التطاول والتجني على رموزنا الخالدة، فالوقوف في وجه هذا الهراء واجب حقيقي، قد لا أملك سوى القلم، لكن غيري قد يملك الكثير ليقدمه، وأعتقد أن هذا العبث قد زاد عن حده، فمن يوقف هذا التطاول والعبث يا ترى؟!!
(*)الرياض
|
|
|
| |
|