| |
أضواء جاسر عبد العزيز الجاسر
|
|
سقوط ذريعة حرِّيّة التعبير إحدى الذرائع التي استندت إليها قوات غزو العراق واحتلاله، هو غياب حرية الرأي وانعدام الديمقراطية والحفاظ على كرامة الإنسان العراقي وتأمين حياته ومعيشته وسكنه. والآن وبعد احتلال العراق أخذت الحقائق تتكشّف، وقُسِّم احتلال البلاد بين الأمريكيين والبريطانيين ومليشيات الأحزاب الطائفية التي يقودها ويوجِّهها الأغراب ممن حصلوا على الجنسية العراقية كجنسية ثانية، إضافة إلى جنسياتهم الأصلية التي يعرفها العراقيون جيداً، مما أوجد فريقاً ثالثاً في تقسيم المجتمع العراقي بالنسبة للانتماء الوطني .. ولا نشير بهذا إلى التقسيم الطائفي والعرقي، فالعراقيون مقسمو الولاء الآن حسب ما يحملون من وثائق وهم: 1- فريق الأغلبية من العراقيين الحقيقيين الذين وُلدوا وترعرعوا في العراق وطنهم الذي لا يعرفون غيره وينتمون إليه كآبائهم وأجدادهم. 2- فريق يحمل جنسية أجنبية أخرى، وأغلب هذه الجنسيات غربية (أمريكية وبريطانية وفرنسية وألمانية وأوروبية)، وهؤلاء الذين عاش بعضهم أكثر من عقدين من الزمن في الخارج، عادوا إلى العراق، بعضهم مع قوات الاحتلال، والبعض الآخر جاء بعد ذلك. وقد انخرط العديد منهم في الأحزاب السياسية، وعن طريق هذه الأحزاب وصلوا إلى مجلس النواب العراقي. 3- فريق حصل على الجنسية العراقية إضافة إلى جنسياتهم الأصلية بعد تعديل قانون الجنسية في زمن حاكمية بريمر، وهيمنة حكومات المخاصصة الطائفية، حيث تمكَّن من الحصول على الجنسية كلُّ مَنْ وُلد على أرض العراق ومَنْ أُمّه عراقية أو ممن وُلدوا من آباء كانوا مبعدين خارج العراق بسبب أصولهم الفارسية، وهؤلاء مُنحوا الجنسية العراقية في المحافظات الجنوبية، مما أخلّ في التركيبة السكانية في تلك المحافظات وخاصة في البصرة والعمارة والناصرية والنجف وكربلاء. هذه الأجناس الثلاث التي أصبحت حقيقة سياسية على أرض الواقع، فرضت نفسها على الانتخابات الأخيرة، وجسَّدت الواقع الجديد الذي فرضه الاحتلال في العراق، بحيث أصبحت حتى القوانين التي يسنّها مجلس النواب العراقي تخدم مصالح هذه التركيبة الجديدة للمجتمع العراقي، وأقرب مثال لذلك هو التصويت على قانون الأقاليم الذي يرفضه العراقيون الحقيقيون والوطنيون بما فيهم الشيعة الذين يتصدّى مثقفوهم ومفكروهم لهذا القانون الذي سيؤدِّي إلى تقسيم العراق. ويقول المثقفون العراقيون الشيعة إنّ نتيجة التصويت التي مرَّرت قانون الأقاليم وبفارق صوت واحد، لا يعكس رغبة الشيعة العراقيين، وأنّهم لو كانوا يعرفون ما كانت ستؤول إليه النتيجة لما سمحوا بالقراءة الثانية للقانون والتصويت عليه، لأنّ حساباتهم كانت مبنيّة على رفض الأحزاب الشيعية وبالتحديد التيار الصدري وحزب الفضيلة والقائمة العراقية وعدد من أعضاء حزب الدعوة، طبعاً بالإضافة إلى الأعضاء السنّة من جبهة التوافق وجبهة الحوار الوطني والمصالحة وممثلي التركمان. وكانت حسبة المعارضين للقانون تعطي لهم غلبة في الأصوات لصالحهم وبفارق ثلاثة أصوات، إلاّ أنّ المفاجأة جاءت عكس هذه الحسبة عندما جرى التصويت .. وبعد تقصِّي الأمر وُجد أنّ أربعة من نواب القائمة العراقية (اللبرالية) من أصحاب الجنسيات المزدوجة صوّتوا إلى جانب قانون الأقاليم. هذه الواقعة نشرتها وبثَّتها صحيفة الزمان والفضائية العراقية الشرقية، مما أغضب الهيئة الرئاسية للبرلمان العراقي، فقدّمت توصية للحكومة العراقية بإغلاق الصحيفة والفضائية ... لأنّهما كشفتا الحقيقة ولم تؤلِّفاها، وهكذا تكون حرية الرأي في العراق الذي احتُلَّ لإشاعة حرية الرأي والديمقراطية...!! فاما أن تكون حرية مصفقة ومروجة لثقافات الاحتلال ومساندة للطائفية والدول التي جاء منها المتجنسون، فإن هذه الحرية تصبح محاصرة ومهددة بالإغلاق حتى إذا كانت تصدر وتبث من خارج العراق.
jaser@al-jazirah.com.sa |
|
|
| |
|