| |
حديث الأسبوع رمضانيات د. محمد غياث التركماني
|
|
مازلت أذكر تلك الرحلة اليومية التي كنت أجول فيها بمطبخ والدتي قبل الإفطار بعشر دقائق في أيام شهر رمضان المبارك. كان القصد أن أشم رائحة الطعام محاولاً أن أتعرف على نوع الأطعمة التي ستقدمها لنا الوالدة - أطال الله في عمرها - على مائدة الإفطار ذلك اليوم. وحتى إذا ما فشلت حاسة الشم عندي في سبر نوع الأطعمة رحت أفتح أغطية القدور لأطمئن أن الطعام اليوم مناسب لرغباتي. فأرمقه بنظرة حادة ثم أدعك أسناني بأسناني وكلي أمل أن يكون وقت الإفطار أقرب عندي من أي شيء آخر. ولم تكن عملية فتح الأغطية عن القدور بتلك السهولة المعروفة فكانت أصابعي تتألم من شدة الحرارة وكثيراً ما ينتهي الأمر بحروق صغيرة وفقاعات على تلك الأصابع. ومع هذا فإن تلك الفقاعات والحروق المتكررة لم تقف يوماً رادعاً في كبح جماح غزواتي اليومية على مطبخ والدتي. ثم أرتد مبتعداً عن المطبخ بخطى بطيئة جداً جداً، وكثيراً ما كان ابتعادي عن المطبخ يرافقه استنكار شديد لما شاهدت أو تحسست فالطعام لم يشبع بعد رغباتي ونزواتي. فأنا أريد ألواناً متعددة من الطعام. لا صنفاً واحداً أو صنفين كما أعدت لنا سيدة البيت الأولى. وكثيراً ما كان والدي يتدخل ليهدئ من روعي ويذكرني أن رمضان ليس لملء البطون وانتباج الكروش وإنما هو ركن من أركان الإسلام وفيه الكثير الكثير من المعاني الإيمانية. فالجوع في رمضان هو درس لنا ليذكرنا بالفقراء الذين يعيشون الجوع كل أشهر السنة ويدفعنا أكثر للتفكير بهؤلاء الناس لمد يد العون والمساعدة لهم. اليوم بقي مضمون رمضان كما هو عند الناس كافة. شهر الصوم والخير والبركة والرحمة والمغفرة والعتق من النار. لكن أصاب الناس في شهر رمضان موضات وصرعات جديدة فقد غدت (السمبوسك) و(الكنافة) و (القطايف) مظاهر أساسية ومميزة لموائد رمضان وصار من المعيب أن ترى مائدة بلا (سمبوسك) وتهافت الناس عليها فهم يقفون بالطوابير انتظاراً لهذه العجينة المستطيلة العجيبة. وأصبح شارع (جرير) في مدينة الرياض وبكل فخر شارع (السمبوسك). قتال وعراك، وضجيج وصياح، وعويل وأنين، ذلك ما تراه من هؤلاء الواقفين، للسمبوسك منتظرين. حفظهم الله من كل شرٍ آمين. أما الفنانون والمطربون والممثلون فقد شمّروا عن سواعدهم، وشحذوا هممهم ، وتفتّقت مواهبهم، وبرزت براعتهم في شهر رمضان فقط. والشاطر منهم الذي يحظى بعدة مسلسلات ليصبح وجهه مألوفا لدى المشاهد العربي على قنواتنا العربية الفضائية المسلية جداً جداً. والشغل الشاغل لهؤلاء الفنانين هو فقط لترفيه المشاهد وتسليته لقتل الوقت الطويل في رمضان - كما يقولون - بدلاً من تسخير الوقت في العبادة وقراءة القرآن في هذا الشهر الفضيل. واشتدت المنافسة بين هؤلاء الفنانين كما اشتدت لدى المشاهدين أيضاً فالفائز هو الذي يستطيع أن يتابع العدد الأكبر من تلك المسلسلات في اليوم الواحد. أهلاً رمضان. أهلاً شهر المغفرة والرحمة والعتق من النار، لا شهر المسلسلات والمسابقات والتفاهات. أستودعكم الله وكل رمضان وأنتم بخير.
|
|
|
| |
|