| |
البرامج الرمضانية في القنوات الفضائية تعزيز لأجزاء الصورة المشوّهة عن السعوديين! د. محمد بن سعود البشر(*)
|
|
في بحوث التأثير الإعلامي، يعرف المتخصصون أن أسلوب وسائل الإعلام، وبخاصة التلفزيون، في (صياغة الواقع) هو الأكثر تأثيراً في الجماهير. هذا الأسلوب يعمد إلى التركيز على جوانب معيّنة في حياة أفراد المجتمع، وتسليط الضوء المكثَّف عليها عبر وسائل الإبراز والتكرار بهدف صياغة (صورة ذهنية) معيَّنة تنقدح في عقل الجمهور المتلقي بوصفها حقيقة معاشة. ويزيد تأثير هذا النوع من الرسائل الإعلامية إذا كانت مقدَّمة بأساليب متنوِّعة، يتكامل فيها النص مع الصورة والمشهد ليحدث (الأثر التراكمي) الذي يبقى عالقاً في العقل الباطن لمتلقي الرسالة الإعلامية. هذه هي الرؤية المتخصصة لأسلوب (صياغة الواقع) في الرسالة الإعلامية. وإذا تأمّلنا ما قدَّمته لنا البرامج التلفزيونية في رمضان عن مجتمعنا السعودي وجدنا أن هنا الأسلوب يركِّز على سلوكيات معيَّنة ويبرزها بطريقة مبالغ فيها، وأحياناً كثيرة مخالفة لما عليه الواقع، ويقدِّمها (للآخر) وكأنها حقيقة يعيشها (كل السعوديين!!)، متضامنة في هذا النهج مع الرسائل الإعلامية الأجنبية التي تستهدف المجتمع، وتسهم معها في تعزيز أجزاء الصور المشوّهة التي ما فتئ إعلام الغير (القريب والبعيد) يذكِّر العالم بها، إخباراً وتسويقاً وترويجاً، مستهدفةً البناء الفكري والمعنوي للأمة السعودية. ليس المقصود من هذا الحديث نفي (الوظيفة النقدية) للوسيلة الإعلامية، لكن هذه الوظيفة لها شروط وضوابط إذا كان المراد منها تقويم الحراك المجتمعي وتسديده. ومن هذه الضوابط: 1 - أن يكون الناقد عالماً بالظاهرة التي يعالجها، مدركاً لأبعادها وتأثيراتها المحتملة. 2 - أن يكون وصف الظاهرة وصفاً عادلاً، غير مجافٍ للحقيقة أو مخالفٍ لها، أو مبالغٍ فيها، حتى وإن كان ذلك بذريعة المتطلبات المهنية للعمل الكوميدي أو الدرامي. 3 - أن يفصل الناقد الإعلامي (كاتباً للنص أو مقدِّماً للرسالة) بين الجذور الثقافية للظاهرة والسلوكيات المرتبطة بها. 4 - أن لا يترتب على نقد الظاهرة ضرر أكبر من فعل النقد، وإن ترجح الأول فالترك أولى، إذ القصد هو الإصلاح وليس إحداث الضرر. والمتابع لمثل هذه البرامج التي تعرضها الفضائيات العربية في وقت ذروة المشاهدة يلحظ أنها سقطت في أداء وظيفتها النقدية، بل حتى المهنية، في معالجتها لبعض قضايانا المجتمعية، وراحت تركض في سباق المنافسة المحمومة بين القنوات لجذب أكبر عدد من الجمهور والمعلنين دون وعي بخطورة المضامين التي قدّمتها، ليس للسعوديين فحسب، بل لجمهور هذه القنوات في العالم العربي، ولكل من يستطيع التقاط بثها في دول العالم. إن هذه المضامين الإعلامية المثيرة، والمستفزة لكل العقلاء أسهمت، بعمد أو بجهل، في تعزيز الصورة المشوّهة عن مجتمعنا لدى كل المشاهدين، وبخاصة في العالم العربي، الذين هم الآن أكثر من أي وقت مضى بحاجة إلى من يعرض واقع مجتمعنا لهم على حقيقته، لا أن يقدِّمه لهم بطريقة فيها الكثير من التجني والتحامل على هذا الواقع الذي يئن من كثرة السهام التي رمته عن قوس واحدة!! وإن مما يحزن أن تتصادم هذه المضامين الإعلامية التي تقدِّمها تلك البرامج في القنوات الفضائية العربية عن بيئتنا السعودية مع الجهود الكبيرة التي تبذلها الدولة، ومؤسسات المجتمع، وعلماؤه، ودعاته، ومثقفوه لتقديم الصورة الحقيقية عن مجتمع متديِّن، آخذ بشروط النهوض الحضاري وفق معادلة التوازن بين ما هو ثابت ومتغيِّر. متى يبلغ البنيان يوماً تمامه إذا كنت تبنيه وغيرك يهدم؟
(*) أستاذ الإعلام السياسي المشارك بجامعة الإمام
|
|
|
| |
|