| |
قراءات رمضانية.. في حروب الدبلوماسية الكويتية (قوات الأمن العربية) عبدالله بشارة
|
|
في 20 يوليو 1961 وافق مجلس الجامعة العربية على عضوية الكويت في الجامعة العربية وفق القرار الذي وضعه رئيس الدورة (سفير المغرب في القاهرة) السيد عبدالخالق الطريسي، بعد تعديلات أهمها (أن يكون سحب القوات البريطانية) هو البند الأول، وجاء آخر البنود هو المتعلق ب(التزام الدول العربية تقديم المساعدة الفعالة لصيانة استقلال الكويت بناء على طلبها، ويعهد المجلس إلى الأمين العام باتخاذ الإجراءات اللازمة لوضع هذا القرار موضع التنفيذ). ونرى مهمة الأمين العام عبدالخالق حسونة، الباشا، الخلوق، والوقور، بتقديم المساعدة الفعالة لصيانة استقلال الكويت، وترجمة ذلك يعني هو تنفيذ الشروط الكويتية التي قبلها المجلس (سحب القوات البريطانية.. يقابلها وضع قوات عربية مكانها) وتولى الأمين العام هذه المهمة بحماس وإتقان، وبدأ منذ اليوم الأول يتصل بالدول العربية بحثاً عن قوات، وشكل هيئة عسكرية برئاسة الفريق أحمد عبدالحليم تتجول في الدول العربية لتشجيعها على تنفيذ القرار. في خلال أسبوع تجولت هذه البعثة وكسبت الممكن في تلك الظروف، اعتذر المغرب، ووعدت تونس لكنها انشغلت بمشكلة برزت مع فرنسا، ورفضت ليبيا، ورفض لبنان واليمن، وبقي السودان والأردن والمملكة العربية السعودية، مع استبعاد الجمهورية العربية المتحدة بناء على طلبها واقتراحها باستبعاد دول المواجهة من الاشتراك بالقوة. جاءت البعثة السياسية والعسكرية التابعة للجامعة العربية إلى الكويت في يوم السادس من أغسطس 1961 برئاسة د. سيد نوفل الأمين العام المساعد للشؤون السياسية، والفريق أحمد عبدالحليم رئيس الجانب العسكري، من أجل الاتفاق على ضوابط القوة ووضعها القانوني وصلاحيتها، وما تقدمه الكويت لها وقيادتها إلى آخر المتطلبات اللوجستيكية للقوة. وجاء الأمين العام إلى الكويت في 12 أغسطس 61، بعد أن مهدت اللجنة العسكرية الأجواء لمهمته، خلال زيارة حسونة وقَّع الشيخ عبدالله السالم - أمير الكويت - وثيقة انضمام الكويت لمعاهدة الدفاع المشترك والتعاون بين الدول العربية. وصدر مرسوم أميري يقنن هذا الانضمام إلى المعاهدة المذكورة وملحقاتها إلى الأمين العام، كما أرسل الأمير رسالة إلى الحكومة البريطانية في نفس ذلك اليوم يطلب فيها جلاء القوات البريطانية عن الأراضي الكويتية تمهيداً لقدوم القوات العربية. وهو قرار منطقي فلن تأتي القوات العربية دون بدء الانسحاب البريطاني الذي تم التنسيق على أن يكون تدريجياً مع تزايد حجم القوات العربية في الكويت لكي لا يخلق فراغاً يستفيد منه اللواء قاسم. وعقد الأمين العام للجامعة مؤتمراً صحفياً، أهم ما فيه قراءته لبنود معاهدة الدفاع المشترك حيث يقول في ذلك المؤتمر بعد أن هنأ الكويت: (إن الدول العربية تلتزم باعتبار أي اعتداء مسلح على دولة أو على قواتها اعتداء عليها كلها، ولذلك فإن هذه الدول وعملاً بحق الدفاع الشرعي والفردي والجماعي عن كيانها، تلتزم بأن تبادر إلى معونة دولة كالكويت، بأن تتخذ على الفور منفردة ومجتمعة جميع التدابير وتستخدم كل ما لديها من وسائل بما في ذلك استخدام القوة المسلحة لرد الاعتداء ولإعادة الأمن والسلام إلى نصابها).. وهذا الكلام معناه أن اللواء قاسم يهدد الدول العربية كلها واعتدائه على الكويت هو اعتداء على جميع الأعضاء في الجامعة. وجاء بسبب هذا التحليل، مصطلح (الردع السياسي للقوة العربية) الذي سيطغى على الردع العسكري، واتفق الأمين العام مع الكويت على أن تكون القيادة للمملكة العربية السعودية وأن تبلغ القوة 3000-3500 جندي، وعاد إلى القاهرة ليواصل البحث عن هذه القوة. لم يجد الأمين العام بداً من اللجوء إلى الجمهورية العربية المتحدة لتكملة الفراغ، قدمت المملكة العربية السعودية 1200، والسودان 108، وتركزت الجهود على الأردن. كان الملك حسين بدعم قوي من حكومته برئاسة نهجت التهوني رافضا المشاركة ومفضلاً الحل السياسي وكان موقفه لا يريح لكن الجهود المشتركة وبالذات البريطانية نجحت في إقناع الملك بقبول فكرة المشاركة، كان الملك حسين يتخوف من حجم التغلغل والنفوذ الناصري في الكويت، وربما الملك أفضل من مساعديه في هذا الشأن الذين يبالغون في النفوذ الناصري في الكويت، لكن الملك بعد اتصالات وعلى الأخص من الملك سعود، وافق على المشاركة، ليس فقط بقوة رمزية، وإنما قدم الأردن 1000 مقاتل من العناصر العسكرية المدربة وبكفاءة قتالية مرتفعة. وبسبب هذا النقص الخطير وما سببه من إشكالات سياسية تمس الجامعة وقدرتها، وبسبب حرص الجمهورية العربية المتحدة على انسحاب بريطانيا لمبررات كثيرة متعلقة بالأيدولوجية الفكرية والعروبية القومية، وبسبب الزعامة الناصرية غير الملوثة بألاعيب الاستعمار وافقت على المشاركة إنقاذاً للوضع وقدمت الجمهورية العربية المتحدة 300 شخص من مهندسين ورجال إشارة. وفي 15 سبتمبر 1961 وصلت طلائع القوات العربية واستقرت على: 1200 المملكة العربية السعودية 1000 الأردن 300 الجمهورية العربية المتحدة (من الفنيين) 108 السودان 2608 المجموع وهو أقل مما هو متوقع ومطلوب، غير أن العبرة بالقيمة السياسية وليس لفعالياتها العسكرية. ورافق هذه القوة سوء الحظ، فقد تأخرت تونس بسبب مشكلة برزت، وحدث الانفصال بين مصر وسوريا في 28 سبتمبر 1961م، ومع الانفصال تصدعت العلاقات العربية أكثر واتسع الخرق وانفجرت بصورة أكثر الحروب الباردة بين العرب مع مؤامرات للتدخل وعمليات مخابراتية للتسلل، وجاء وضع جديد مختلف تماماً عن الوضع الذي تم فيه إرسال القوات. وتأثر واقع الجامعة بهذه الأحداث والاتهامات بين مهندسي الانفصال والقاهرة، وتجمد نشاط الجامعة الجدي، كما انعكس الوضع على العلاقات بين عناصر للقوات العربية في الكويت. في 17 أكتوبر أرسل جمال عبدالناصر البرقية المشهورة إلى الشيخ عبدالله السالم أمير الكويت يقرر فيها سحب قواته من الكويت، ويتهم الامبريالية وأعوانها بتدبير مؤامرة تضر بالعلاقات بين الكويت ومصر، وأن هناك من يسعى إلى اتهام القاهرة بالتدخل في شؤون الكويت، وكانت البرقية بمفرداتها تحمل آلام الرئيس المصري الذي عز عليه أن توجه انتقادات ظالمة إلى شعب مصر ونضاله من أجل رفع شأن الأمة التي يشكل شعب مصر نصفها، فلا نهضة للعرب بدون هذا الشعب، كما جاء في البرقية. حاول الشيخ عبدالله السالم أمير الكويت التأثير على الرئيس بإعادة النظر في قراره، ولكنه كان مصمماً، حتى أن الأمير قرر إرسال الشيخ جابر الأحمد لإقناع الرئيس في لقاء في القاهرة، لكن السفير الكويتي في القاهرة السيد عبدالعزيز حسين - الذي جاء إلى الكويت للمشاورات - رأى عدم جدوى الجهود لتغيير المواقف لأن الرئيس اتخذ قراره نهائياً. كان قرار الرئيس - مهما كانت أسبابه الخاصة - ضربة لقوات الجامعة العربية ولمفهوم الالتزام بقرار المشاركة في الدفاع عن الكويت لا سيما أن القاهرة هي التي اشترطت سحب القوات البريطانية، ولم تعترف بالكويت إلا في 10 أكتوبر 1961 عندما بدأ الجلاء البريطاني، وهي ثمرة جهود الدبلوماسية الكويتية ونفوذ الجمهورية العربية المتحدة في الجامعة العربية، وإفشال المشروع الأمني العربي ضربة لمفهوم العمل المشترك. أخذ الملك حسين المبادرة في تعويض النقص بقوات أردنية مع إرسال طائرات ومدرعات لزيادة قدرة القوة العربية. في 12 أكتوبر 1961م، استدعى الملك حسين السفير البريطاني في عمان، وأكد له خبر قرار الرئيس عبدالناصر سحب القوات المصرية من الكويت، بعد انسحاب العناصر السورية من القوة وهم 12 شخصاً، اثنان من الضباط والباقي أفراد. أرسل الملك حسين نائب القائد العام اللواء زهير مطر إلى الشيخ عبدالله السالم عارضاً المساعدة في أي مجال تريده الكويت وأنه على اتصال مع الملك سعود للتنسيق، وأبلغ السفير البريطاني بأنه أرسل رسالة إلى اللواء قاسم يحذره فيها من اللجوء إلى مغامرة للاستفادة من الوضع مع التأكيد أن القوات الأردنية ستحارب مع الكويت التي يحترم استقلالها، وأنه كان في الأساس يتقبل الحل السياسي، لكنه مع استحالة ذلك فالأردن مرتبط بتنفيذ الالتزامات التي قبلها عندما أرسل الفرقة العسكرية إلى الكويت. في الاتصالات التي تمت بين المسؤولين البريطانيين وحكومة الكويت وقيادة القوات العربية، كان الرأي بأن سحب القوات المصرية لا يؤثر على الفعالية القتالية للقوة وأن القوات السعودية تملك سلاح إشارة متطوراً ليكون بديلاً، أما الخسارة السياسية فلا شك بأنها واقع لا يمكن تجاهله، لأن مكانة القوة هي في ردعها السياسي وليس في ردعها العسكري. كان رأي الشيخ مبارك عبدالله الجابر، نائب القائد العام الكويتي، بأن سحب القوات المصرية لا يؤثر في قدراتها القتالية. يقول السفير البريطاني في الكويت في تقريره - بعد زيارة للديوان - بأنه وجد الشيخ عبدالله السالم أمير الكويت وسط هذه الضجة هادئاً، وحسب رأي السفير فإن الأمير لم يكن قلقاً سواء ظلت القوات المصرية أو انسحبت لأنه يعرف بأن القوة العربية هي وجود سياسي سواء زاد عددها أو نقص. وفي نهاية عام 1961 أتمت القوات المصرية انسحابها وبقيت القوات السعودية والأردنية. ومع ذلك لم تسلم القوة من إسقاطات الخلافات العربية الحادة. في 10 فبراير 1963 حدث انقلاب بقيادة حزب البعث وجاء عبدالسلام عارف وانتهى حكم قاسم. وتلاشت الحاجة للقوات بعد اتفاق الاعتراف المتبادل في أكتوبر 1963، وتأكيدات الاتفاقيات الموقعة بين الطرفين. وتبدأ معركة أخرى مجدداً في حروب الدبلوماسية الكويتية. تنويه نشر في المقال السابق في تاريخ 4 أكتوبر 2006، تحت عنوان قراءات رمضانية في حروب الدبلوماسية الكويتية، أن يسحب اللواء قاسم تصريحاته التي أدلى بها في 25 يونيو 2006، والصحيح هو 25 يونيو 1961م.
abdullah_bishara@yahoo.com |
|
|
| |
|