Al Jazirah NewsPaper Tuesday  10/10/2006G Issue 12430مقـالاتالثلاثاء 18 رمضان 1427 هـ  10 أكتوبر2006 م   العدد  12430
رأي الجزيرة
الصفحة الرئيسية

الأولى

محليــات

الاقتصادية

الريـاضيـة

مقـالات

استراحة

قضايا عربية
  في الصحافة العبرية

دوليات

متابعة

منوعـات

نوافذ تسويقية

القوى العاملة

الرأي

رمضانيات

عزيزتـي الجزيرة

مدارات شعبية

وطن ومواطن

زمان الجزيرة

الأخيــرة

الأدب الإسلامي بين خطأ الفهم .. وفهم الخطأ..! (1-2)
بقلم - د. حسن بن فهد الهويمل

الذين يعرفونني حقَّ المعرفة، وهم قليلون، يعرفون أنّني رهين مصدرين:

- النص.

- والعقل.

وأنّني طليق لا إمارة لأي مذهب عليّ، ضالتي الحق، ألتمسه في غيابة القول، مستعيناً بكلِّ آليات التأويل والتفكيك، فإذا تراءيت ما أظنها مراكبه، رميت فوق ظهورها بمجاديفي، وألقيت بيده مقاليدي. لا أقطع بالصواب، ولا أدعي العصمة، ولا أسمو فوق النقد، ولا أتحرّج من المساءلة، ولا أدل بالمعرفة، وأنا المتهجّي لأبجدياتها. وفي كلِّ مواقفي لست داعياً إلى التسمِّي بأي مصطلح، ولا الانتماء لأيِّ حزب، وإن تمثّلت خيرَ ما فيها، وكلُّ همِّي أن يسود الوفاق، وتشيع الكلمة الطيبة، ويكون الناس على بيِّنة من الأمر. وما تشابهت القضايا على المتجاذبين لأطرافها، إلاّ حين همّ بالكلام من لم يستكمل عدّته، من فهم سليم، وتصوُّر قويم، ومعرفة عميقة، وثقافة شاملة، ومنهج وآلية وخطة مناسبة.

وأي اهتياج أعزل يحوِّل المشاهد إلى ملاعب جنة منبهمة.

وليس بمستبعد أن يكون الابتلاء بهذا النوع من الكتبة والمتحدثين كما اشتعال النار فيما جاورت، يعرب به طيبُ عرف العود.

وليست الإشكالية في ذهاب كلِّ مبتدئ بما يرى، ولكنها في نبرة الرفض الأرعن، والتلذُّذ بجلَد الذات الحرضة، والتشفِّي بإدانة الأهل والعشيرة، وتحميل الإسلام جرائر المسلمين، ولو قيد حملة الكلمة أنفسهم بالمرجعية علماً كانت أو عالماً، واحترموا التخصص، واعتمدوا المنهجية، والتزموا بالموضوعية، وحيدوا الذوات، وتخلّوا عن الجهر بالسوء، ونبذوا الادعاء والاستغناء، ولم يأنفوا من سؤال أهل الذِّكر عند العي، لحققوا بهذه الخصال الحميدة أو ببعضها تحضر الجدل، وتعقلن الفكر، وتموضع القضايا، واتضاح الرؤى. ولكن أنّى للمختصمين ذلك الخيار الحضاري، ومشاهد الفكر والأدب في عالمنا الموبوء حرام على بلابلها، حلال للطير من كلِّ جنس. ولسنا في راهننا بدعاً من الأمم، فلقد مرّ التاريخ الفكري الإنساني عامة والتاريخ الفكري الإسلامي خاصة بمحطات معتمة، وأخرى مضيئة، من إضاءتها أثرت الحضارات الإنسانية كلها، واستنارت بها الأفكار الحائرة، وهُديَ فيها العلماء إلى الطيِّب من القول، حتى أجمع المؤرِّخون على تسميتها ب(العصور الذهبية).

فيما عدلت بالأُمّة عن جادّة الصواب محطاته المعتمة، حيث أُغلق باب الاجتهاد وجَمَدت المذاهب، يتوارثها القوم كما هي في نشأتها الأولى، وساد الانقياد للتقليد والتسليم للرأي غير السديد. والبون شاسع بين العمق المعرفي المحكوم بالعقل والمنهج، وبين التعصُّب المذهبي الذي يجتاله الهوى الجامح، وتحتنكه النوايا السيئة، ويخذله التسطُّح المعرفي. فحين تتغلغل المذهبية الضيقة في النفوس الوجلة من كلِّ ابتكار، ثم لا تكون رواية ولا دراية ولا زكاء ولا ذكاء، تكون الأثرة والإقصاء والتوجُّس والشحناء، والمراء المسف، والبحث عن الانتصار. وإذ لا أبرئ أحداً من هذا الداء، فإنّني لا أخصُّ أحداً بخطيئة، فالراصد الفطن يعرف القوم من لحن القول:

(وما انتفاع أخي الدنيا بناظره
إذا استوت عنده الأنوار والظلم)

أمّا حين تسود المعرفة، وتشيع الحكمة، ويستضيء العقل بنور النص المقدس، ويُقمع الهوى، ولا يَدرجُ في العش إلاّ أهلُه، يكون الإيثار، وهدوء الحوار، والبحث عن الحق، ونبذ الفرقة والشقاق.

وفترات الانحطاط يستفحل فيها التعصُّب والتحزُّب، ويتأله فيها الهوى، ويسبق فيها التكفير التفكير، وتتقطّع الأُمّة أمرها بينها، ولا يكون ذلك إلاّ حين يُرفع العلم بموت العلماء، ويُستغنى بالتقليد عن التجديد، وتكون الكلمة لعواطف العامة لا لعقول العلماء.

وما أضرَّ بالمشاهد إلاّ الأضوائيون المستدرون لعواطف الغوغاء، ورضي الله عنه (ابن مسعود) الذي نهر من لحق به قائلاً:- (إنّه ذلّة للتابع وفتنة للمتبوع) والأشياع والأتباع نواة التمذهب والتعصُّب، وتاريخ الأفكار الإنسانية عامة لا تخلو من تلك الظواهر التي تُستترف فيها طاقات علمائها بالجدل العقيم والسفسطة البيزنطية، للتسلية أو للتلهية. والآخذون بعصم المذاهب والظواهر والتيارات ليسوا على قلب رجل واحد، ولا على مستوى معرفي متجانس، ولا على قدر من الثقافة الشاملة العميقة المتنفّذة. فمنهم من ألغى نفسه، وعطّل طاقاته، وسلم قيادهُ لِسعْدٍ المشتمل، ومنهم من شذّ في الرأي، وفارق الجماعة، وقال في النوازل بغير علم، وحمّل النصوص مالا تحتمل، بدعوة التأويل المحيل أو التفكيك المزيل. وتلك الموجات من التعصُّب المقيت وتقحم الجهلة فرّقت الكلمة، وشتتت الشمل، فكان التمجيد للمذاهب، والتصنيم للرجال، واستسمان ذوي الورم، والإيغال في ذكر المناقب أو المثالب.

وحديثي عن مصطلح (الأدب الإسلامي) ليس من باب التعصُّب، وليس تكريساً للانتماء، ولا مجيئاً من المذهب بنبأ يقين، ولكنه محاولة لتصحيح الفهم، وفهم الصحيح. والمتمارون بين متلقٍّ للأخطاء، يأخذها كما جاءت، فهو صدوق لا يكذب، ولكنه غِرٌّ كريم يحفظ ما سمع، ويؤديه كما سمعه، لا يتثبت، ولا يتساءل، ولا يتعرّف على مصادر الغير. وآخرَ فهمه سقيم، يحرف الكلم من قبل أن يعقله، يتلقّى الصدق، ولا يحسن أداءه، وقد قيل:- (آفة الأخبار رواتها).

والفرق بين توهُّم الفهم وسُقمه، أنّ التوهُّم يعني استيعابَ المصطلح على غير ما هو عليه، ومنشأُ التوهُّم: إمّا خطأ المصدر، أو الخلطُ بين المبادئ والممارسات.

أما سقم الفهم فيعني العجزَ الذاتي، الذي لا يمكِّن من فهم الأشياء على حقيقتها، وإن لم يخطئ المصدر في التوصيل.

ولكل من التوهُّم والسقم أسلوب علاجه المناسب، فمتلقِّي الخطأ تُصحح له المعلومة، وسقيم الفهم يُنظر في أمره، فإن كان سُقمه جِبلياً صُيِّر إلى حيث يجد نفسه، وإن كان نقصاً في الخبرة أو قلّةً في المعرفة، أكمل بالمراد أو بالتزوُّد من المعارف.

وإشكالية المصطلحات كلِّها تعثرها بين سُقم المفهوم وأخطاءِ مصادرها، ولهذا يقول (المتنبي):

(وكم من عائب قولا صحيحا
وآفته من الفهم السقيم)

ومتى ألقى المتلقِّي السمع وهو شهيد، تحرّرت عنده المسائل، واتضحت المقاصد، وتحدَّدت الأهداف، وذلك مؤذن بالتقارب أو التعاذر والتعايش السِّلمي على الأقل.

وخير المشاهد المتسع للفاضل والمفضول والأفضل، وليس ذلك بعزيز على طلاب الحق وأصحاب المواقف الذين يؤثرون، ولا يستأثرون. وخير مثال على التعايش السِّلمي مذاهب الفقه الإسلامي وتعدُّد المجتهدين داخل المذاهب وخارجها، وإن مرّت في بعض حالاتها بفترات استفحلت فيها الفرقة واشتطّ الخلاف، ولكن الغالب عليها أنّها تمرُّ بحالات من الوفاق والتعاذر، وتبادل الخبرات، والاشتغال بالقواسم المشتركة. وعلى غير هذه التوقُّعات (علماء الكلام) لأنّ اشتغالهم بالفقه الأكبر باعد بين أسفارهم.

واختلاف التنوُّع المثري للحضارة والثقافة يتحقّق على يد علماء ربانيين متبحّرين يتقنون نظرية التلقِّي والتأويل، ويفرِّقون بين النصوص القطعية والاحتمالية، ويراعون الأحوال والظروف، ويدركون المقاصد والغايات، ويجودون عملية التفاعل الإيجابي بين النصوص والعقول، بحيث لا يتوقّعون أي تعارض بين صريح المنقول وصحيح المعقول.

وما أضل الأُمّة إلاّ اتباع الهوى. والعدل والعقل لا يجتمعان معه، ومشاهد الأُمّة لما تنجو من تحكمه، ولا يكون التعصُّب المقيت والمراء والمرية إلاّ من أشياع ألغوا ذواتهم، ظناً منهم أنّهم الفرقة الناجية المنصورة، وهي قائمة ولا شك، والله المسؤول أن نكون منها.

وما من عالم مجرِّب إلاّ هو على يقين من حتمية الاختلاف، وتعدُّد الآراء والمواقف، وكيف لا يكون ذلك والله يقول: {... وَلاَ يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ «118» إِلاَّ مَن رَّحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ ...}(سورة هود).

لا أقول إنّ الاختلاف رحمة، ولكنَّهُ قدر الإنسانية وفسحتُها، وعليها أن تواجه قدرها بما يكفل لها الحياة التوافقية دون تخل عن الثوابت، وحتمية الاختلاف جعلت المتبحِّرين من العلماء والمفكرين يستبعدون الإجماع إلاّ فيما عرف من الدين بالضرورة كالصلوات والحج والزكاة والصوم دون دخول في التفاصيل. ودون الإجماع ما يعرف ب(مسائل الجمهور)، والقول في الاختلاف والاتفاق قول أصولي، لا يستوعبه حديث مقتضب، ولكن تقصيه في مسألة خلافية حاجة ملحّة لكلِّ من ساقته مقاديره إلى الجدل حول قضايا الفكر والثقافة والأدب المختلف حولها، كمصطلح (الأدب الإسلامي)، ولقد كنت، ولما أزل في شأني كلّه حريصاً على التمكُّن من القضايا والتمكين منها عبر طرائق التحصيل والتوصيل، فمتى امتلك المتابع ضوابط المعارف وأصولها أصبح من اليسير عليه الظفر بالمعلومة وتوصيلها على وجهها، وتعلُّم الصيد أفضل من تقبُّل الهدايا (فالليث ليس يسيغ إلاّ ما افترس).

وكلُّ مقتدر عليه أن يدرأ عن أُمّته الفرقة، وذلك بتفادي بؤر التوتُّر، وما من مفكر ذي رسالة وموقف إلاّ هو على ثغر من ثغور الفكر، وواجبه أن يحمي ثنيته من الهشاشة ونفاد ما يفرق بين المتحاورين لوجه الله، وليس هنالك أضر على الأُمّة من تفرق الكلمة، ومن استخف بها فقد عرض نفسه للدمار وأُمّته للفشل، ولقد حرص الرسول صلى الله عليه وسلم على عدم التمكين لأيِّ طائفة ما دام النص محتملاً لأكثر من تأويل، فعل ذلك حين اختلف الصحابة في توقيت الأداء لصلاة العصر، وهم في طريقهم إلى (بني قريظة) حيث قال لهم: (لا يصلين أحدكم العصر إلاّ في بني قريظة) وهم قد علموا من قبل أنّ الصلاة كانت على المؤمنين كتاباً موقوتا، فحمل بعضهم الأمر على العزم، وحمله آخرون على الحزم، لقد أقبل بعضهم على بعض يتلاومون، وحين حاولوا استبانة وجه الصواب منه صلى الله عليه وسلم لزم الصمت. وذلك دليل على أنّ النص المفتوح كما الفضاء الواسع تسبح فيه كلُّ طائفة، متى امتلكت القدرة على الوصول إلى المعلومة والقدرة على تفكيكها، وأصبح الاجتهاد مشروعاً والمجتهد من أهله، يعرف شروطه وأصوله ومتطلّباته المعرفية.

ومع هذا فلست مع تأويل المتعسِّفين ولا مع تفكيك الموغلين، فمن التأويل ما هو متاهة ومن التفكيك ما هو ضلالة. والعارفون يقدِّرون للمنهجين قدرهما، فيستثمرون النص من خلالهما، ويحفظون له دلالته المحققة لمقاصد المشرع.

وما اختلف الناس إلاّ من بعد ما جاءتهم تلك النصوص الحمالة، واجتالتهم أدلتها المتنوعة واستقبلوها بعقول واعية وأذهان متوقدة، ولقد أدرك الإمام (علي بن أبي طالب) - رضي الله عنه - خطورة النصوص الحمالة، ووجَّه الجدل إلى نصوص قطعية الدلالة.

وأي مصطلح مُحدث، يستفز العقول، ويثير الشكوك، وتغمره التساؤلات، ويتعثّر بالتحفُّظات، ولكنه بعد التداول المنصف، قد يمتلك المشروعية، ليأخذ مكانه الطبيعي في المشاهد.

وحين تبد هُنا المشاهد بأيِّ نازلة أو مصطلح فإنّ من حقنا، بل من واجبنا ألاّ نقبل على الإطلاق، وألاّ نرفض على الإطلاق، وإنّما نبادر بالتساؤل عن (المشروعية) ,(المفهومية) ولا يُسأل عن النوازل إلاّ أهل الذِّكر، ولا يُتعرف على المصطلحات إلاّ من المنسشئين لها، فهم أهلها وخاصتها، سواء كانوا شرقيين أو غربيين عرباً أو مستعربين، ولا يجوز أن تكون منطلقات المتحفظين إلاّ من إجابة المنشئين، وإذا تأكدت المشروعية، وتحدّدت المفاهيم، أعقب ذلك الحوار الحضاري، الذي يحدِّد الأهميات والأولويات والحاجات، ويدخل في التفصيل والتفضيل.

فالفهم حين لا يكون وفق رؤية المنشئ، يكون التقوُّل. والمشروعية حين لا تكون وفق مرجعية الأُمّة، يكون الاضطراب، وتستفحل الفوضوية.

وأي مصطلح لا تحرر مسائله على ضوء المشروعية والمقتضى يكون موئل الاختلاف، ومن أصعب المواقف أن يُقوّل المصطلح ما لم يقله المنشئ، والفهم الخاطئ تقويل لما لم يقله المنشئ، وخطأ الفهم تحميل للمصطلح بما لا يحتمل، وانحراف الأفكار منشؤها اضطراب المفاهيم بين التلقَِّي الخاطئ وضعف الأفهام، والبحث في المشروعية يقطع قول كلِّ خطيب، وحقَّ على المتلقِّي أمام كلِّ النوازل أن ينظر في مشروعية أي مصطلح، فإن انتزعها كان حقاً عليه القبول به، والتخطِّي به من البحث في المشروعية إلى البحث في المفهوم وطرائق الأداء وترتيب الأولويات.




نادي السيارات

موقع الرياضية

موقع الأقتصادية

كتاب و أقلام

كاريكاتير

مركز النتائج

المعقب الإلكتروني

| الصفحة الرئيسية|| رجوع||||حفظ|| طباعة|

توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية إلىchief@al-jazirah.com.sa عناية رئيس التحرير/ خالد المالك
توجه جميع المراسلات الفنية إلى admin@al-jazirah.com.sa عناية نائب رئيس التحرير/ م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2006 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved